دعوني اقص لكم قصة امراة من نوادر النساء التي تمر ذكرى وفاتها هذه الايام .
انها فَاطِمة بنت حُزَام الكِلَّابيَّة المعروفة باسم أم البَنين، و هي زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تزوَّجها بعد وفاة زوجته فاطمة الزهراء عليهم السلام . أنجبت منه أربعة أبناء، كان أكبرهم أبو الفضل العباس قائد قوَّات الحسين بن علي في معركة كربلاء وأمها ثمامة بنت سهل وجدها خالد بن ربيعة.
أهلها من سادات العرب وأشرافها وزعماؤها ، وهم أبطال مشهورون ، ويعرّفنا التاريخ بأنّ أبناءها من فرسان العرب في الجاهلية ، ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسية والبسالة مع الزعامة والسؤدد حتى أذعن لهم الملوك ؛ فإنّ من قومها أبا عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب جدّ تهامة والدة أم البنين ، وهو الجدّ الثاني لأم البنين . قيل : ملاعب الأسنّة ؛ لفروسيته وشجاعته .
يلاعبُ أطرافَ الأسنّةِ عامرُ فراحَ لهُ خطُّ الكتائبِ أجمعُ
وهذه المرأة النبيلة الصالحة ، ذات الفضل والعفة ، والصيانة والورع والديانة ، كريمة قومها ، وعقيلة أسرتها ، فهي تنتمي لأشرف القبائل العربية شرفاً ، وأجمعهم للمآثر الكريمة ، التي تفتخر بها سادات العرب .
وهم الذين عناهم عقيل بن أبي طالب ، وكان نسّابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم ( ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس ) ، فحق لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يرغب في الوصلة الصهرية بهم ؛ لأنّ البنت التي قد ولدها مثل هؤلاء الأبطال الشجعان لجديرة أن تنجب فيما تلد ، ولا تلد إلاّ شجاعاً بطلاً ، قد ضم بين طرفي البطولة والفروسية عمومة وخؤولة .
فقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لأخيه عقيل :
(( اختر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ؛ لأتزوّجها لتلد لي غلاماً فارساً )) .
ولِما أشار صاحب الشريعة الحقّة بقوله :
(( الخال أحد الضجيعين ، فتخيّروا لنطفكم )) ، فقد أنجبت هذه المرأة المحترمة أعظم الرجال شجاعة وثباتاً وإقداماً ، وهو حري بتلك الشجاعة الباهرة ؛ لأنّهم معروفون فيها من كلا طرفيه .
فقد تزوّج أمير المؤمنين (عليه السلام) أم البنين ( فاطمة ) بعد وفاة الصدّيقة سيّدة النساء فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ، وأنجبت له أربعة بنين ، هم ؛ العباس المسمّى بالسقا ، ويسمّيه أهل النسب أبا القربة ، وصاحب راية الإمام الحسين (عليه السلام) ، وعبد الله وعثمان وجعفر ، وقد استشهدوا جميعاً مع الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء يوم عاشوراء ، ولا بقيّة لهم إلاّ من العباس .
كانت أم البنين من النساء الفاضلات ، العارفات بحقّ أهل البيت ، مخلصة في ولائهم ، ممحضة في مودّتهم ، ولها عندهم الجاه الوجيه ، والمحل الرفيع.
ما جاء في سمو شخصيتها
لمّا دخلت بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت ترعى أولاد الزهراء (سلام الله عليها) أكثر ممّا ترعى أبناءها ، وتؤثرهم على أولادها ؛ تعويضاً لما أصابهم من حزن ، وفقدان حنان لموت أمّهم الزهراء البتول .
وقالت يوماً إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يا أبا الحسن : نادني بكنيتي المعروفة ( أم البنين ) ، ولا تذكر اسمي ( فاطمة ) ، فقال لها الإمام (عليه السلام) :
(( لماذا؟ )) قالت : أخشى أن يسمع الحسنان ، فينكسر خاطرهما ، ويتصدّع قلبهما لسماع ذكر اسم أمّهما ( فاطمة ) .
فأيّ امرأة جليلة مؤمنة ، صابرة صالحة وقور هذه المرأة ( طيّب الله ثراها ، ونوّر ضريحها ).
وبقى حبها لهم حتى ماتت رضوان الله عليها ، فمما يروى انه عندما دخل ناعي الحسين عليه السلام بشير بن حذلم المدينة المنورة لينعى الحسين عليه السلام التقى بأم البنين «وهي أم عبد الله وعثمان وجعفر والعباس أبناء علي بن أبي طالب الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء» فقال لها:
عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله.
قالت له: أسألك عن سيدي ومولاي الحسين.
قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر.
قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.
قال لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.
قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.
قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس.
قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين . فقال :
يا أهلَ يثربَ لا مقامَ لكم بها
قُتلَ الحُسين فأدمعي مدرارُ
الجسم منه بكربلا مضرَّجٌ
والرأس منه على القنا يُدار
فصاحت ولطمت خدّها، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه.
يعني لم تسأل عن اولادها الاربعة انما سألت عن الحسين عليه السلام لا غير !!.
شارك الخبر:
0 تعليق