متابعات-«الخليج»:
في خطوة نادرة لاستخدام القوة العسكرية على الأراضي الأمريكية، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء السبت الماضي، وزارة الدفاع (البنتاغون) بنشر ما لا يقل عن 2000 جندي من الحرس الوطني للتعامل مع الاحتجاجات في مدينة لوس أنجلوس، والتي اندلعت نتيجة حملته ضد المهاجرين.
وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها الرئيس دونالد ترامب إلى تفعيل الحرس الوطني لمواجهة الاحتجاجات.
ففي عام 2020، دعا حكّام عدد من الولايات إلى إرسال قوات من الحرس الوطني إلى العاصمة واشنطن، للتعامل مع التظاهرات التي اندلعت إثر مقتل جورج فلويد على يد ضباط شرطة في مدينة مينيابوليس.
وقد استجاب العديد من الحكّام لطلبه، وأرسلوا بالفعل قوات إلى المقاطعة الفيدرالية.
أما الحكّام الذين رفضوا الاستجابة، فقد احتفظوا بقواتهم داخل ولاياتهم، إذ لم يُجبروا على إرسالها، ما سلّط الضوء حينها على الحدود القانونية لصلاحيات الرئيس في نقل الحرس الوطني خارج الولايات دون موافقة حكّامها.
ما الذي فعله أمر ترامب؟
أصدر ترامب أمراً بنشر قوات الحرس الوطني لمدة لا تقل عن 60 يوماً تحت السيطرة الفيدرالية، بحسب صحيفة Newyork Times. كما فوّض وزير الدفاع بيت هيغسث باستخدام هذه القوات لحماية موظفي إنفاذ قوانين الهجرة، والمباني، والمهام المرتبطة بهم من أي تدخل من جانب المحتجين.
واستشهد البيت الأبيض في تبريره للخطوة، بالاحتجاجات الأخيرة ضد مداهمات إدارة الهجرة والجمارك (ICE) في مدينة لوس أنجلوس.
جدير بالذكر أن الحرس الوطني يتكوّن من قوات عسكرية على مستوى الولايات، ويتألف في معظمه من جنود بدوام جزئي لهم وظائف مدنية بدوام كامل خارج الخدمة العسكرية. ويكون الحاكم في كل ولاية هو المسؤول عن الحرس الوطني في ولايته، وله صلاحية توجيهه للاستجابة للكوارث أو الاضطرابات المدنية.
لكن وفقاً للقانون الفيدرالي، يمكن للرئيس الأمريكي، في ظروف معينة، أن يتولى السيطرة على الحرس الوطني للولايات.
حاكم كاليفورنيا يتوعد بالتصعيد القضائي ضد قرار ترامب
احتمالات الطعن القانوني في هذا القرار تبدو مرتفعة، لكن من المبكر الحكم على مسار الأمور. أحد أبرز الأطراف المحتملة لرفع دعوى قضائية هو حكومة ولاية كاليفورنيا، والتي يُرجح أن يكون لها «صفة قانونية» للطعن على أساس حقوق الولايات.
توحي تصريحات الحاكم غافن نيوسوم بأنه يمهّد لهذا الطعن القانوني، إذ قال: «لا توجد حالياً أي حاجة غير ملباة تتطلب تعزيزات أمنية إضافية». كما ناشد المتظاهرين بالتمسك بالسلمية وعدم اللجوء إلى العنف، حتى لا يمنحوا ترامب ذريعة لـ«استعراض مسرحي»، ووصف تهديد وزير الدفاع بيت هيغسث بنشر قوات المارينز النظامية بأنه «سلوك غير متزن».
يُضاف إلى ذلك أن المادة 12406 من القانون الفيدرالي تنص على أن أوامر استدعاء الحرس الوطني يجب أن تصدر عبر حكام الولايات، ما قد يمنح نيوسوم أساساً قانونياً للطعن.
احتجاجات غاضبة في الشوارع واتهامات لترامب
تأتي خطوة ترامب بعد تصاعد التوترات نتيجة انتشار شائعات بأن هناك سلسلة من المداهمات تنفذها سلطات الهجرة، في المدينة التي يعيش فيها أغلبية لاتينية. أدى ذلك إلى احتجاجات واسعة، صاحبتها أعمال عنف وشغب وصلت إلى حرب شوارع في لوس أنجلوس.
وسارع كبار الجمهوريين إلى تأييد قرار ترامب بإرسال قوات من الحرس الوطني إلى كاليفورنيا، بعد أيام من انشغال واشنطن بما وصفته وسائل إعلام بـ«الدراما النفسية» بين ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك.
وقال السيناتور الجمهوري ماركواين مولين من أوكلاهوما لقناة CNN: «لدينا حاكم ضعيف ويميل إلى الفوضى، وهو الحاكم نيوسوم، الذي لا يطبق قوانين البلاد..الرئيس أوضح: إذا لم يكن الحاكم أو عمدة المدينة مستعداً لحماية المواطنين، فإن الرئيس سيتدخل لحمايتهم».
خبراء قانون يحذرون من تبعات قرار ترامب
وكتب ستيفن فلاتيك، أستاذ القانون بجامعة جورج تاون، في منشور عبر منصة Substack، أن السلطات الممنوحة للقوات الفيدرالية تبدو محدودة في الوقت الحالي. وبمجرد انتشارها، سيكون بإمكان هذه القوات حماية عناصر الهجرة والمباني الفيدرالية من الهجمات المحتملة من قبل المحتجين، لكنها لن تكون مخولة بتنفيذ مداهمات هجرة أو القيام بدوريات في شوارع المدينة بشكل عام. لكن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب لم يحدد أي معايير واضحة لاستخدام القوة.
ومن المعروف أن وزير الدفاع بيت هيغسث يملك موقفاً متشدداً تجاه ما يراه «قيوداً مفرطة» على قواعد الاشتباك، خاصة تلك التي تهدف لحماية المدنيين في مناطق الحرب. وأقال كبار المستشارين القانونيين في الجيش الذين يقدمون النصح بشأن هذه القيود القانونية، في خطوة أثارت قلقاً واسعاً.
ماذا وراء إرسال الحرس الوطني دون إذن الولاية؟
وفقاً لقانون Posse Comitatus الصادر عام 1878، يُمنع استخدام القوات الفيدرالية في أعمال الشرطة داخل الولايات المتحدة. ولكن قانوناً أقدم يُعرف بـقانون التمرد (Insurrection Act) لعام 1807، يتيح للرئيس استثناءً من هذا الحظر في حال قرر أن هناك عصياناً أو تجمعات غير قانونية، أو تمرداً ضد سلطة الولايات المتحدة تجعل من المستحيل تنفيذ القانون الفيدرالي بالوسائل العادية.
ما الأساس القانوني الذي استند إليه ترامب؟
ترامب وصف الاحتجاجات بأنها عنيفة، وقال إنها تهدد بتخريب مرافق احتجاز المهاجرين الفيدرالية. وأضاف أن الاحتجاجات أو أعمال العنف التي تعيق تنفيذ القوانين تُعد شكلاً من أشكال التمرد ضد سلطة حكومة الولايات المتحدة. ورغم ذلك، لم يستند ترامب إلى قانون التمرد (Insurrection Act) في أمره، بل استند إلى المادة 12406 من الباب العاشر في القانون الفيدرالي الأمريكي، والتي تخول الرئيس استدعاء الحرس الوطني للخدمة الفيدرالية في ظروف معينة، بما في ذلك في حال وقوع تمرد ضد الحكومة الفيدرالية.
كيف تخدم هذه الأزمة أهداف ترامب السياسية؟
رغم أن نشر قوات الحرس الوطني داخل الولايات المتحدة يحمل بعض المخاطر، إلا أن ذلك يُعد قراراً سياسياً ذكياً من وجهة نظر البيت الأبيض، ويخدم عدة أهداف استراتيجية للرئيس دونالد ترامب.
1- تعزيز صورة «الرجل القوي»
صور الجنود بالزي القتالي في شوارع لوس أنجلوس، مقرونة بتصريحات الإدارة عن فرض النظام إذا فشل القادة المحليون، تعزز الصورة الصارمة التي يسعى ترامب لترسيخها لدى قاعدته الانتخابية. كما أنها تدعم الخطاب الجمهوري الذي يصوّر المدن الليبرالية بأنها تعاني الفوضى، والتشرد، والجريمة، نتيجة ضعف القيادة.
2- يُحوّل الأنظار بعيداً عن أزمته العلنية مع إيلون ماسك، وكذلك عن الشكوك التي تحيط بقانون الإنفاق الداخلي الضخم الذي يسعى إلى تمريره.
3- دعم أهدافه بخصوص ملف الهجرة.
وقد أظهر استطلاع جديد لقناة CBS نُشر يوم الأحد أن، غالبية الأمريكيين يدعمون أهداف ترامب في ملف الهجرة، لكن 56% يعارضون أسلوبه في التعامل مع هذا الملف.
0 تعليق