جبريل السبعي في حوار مع الرأي: الكتابة بين لؤلؤة المستحيل وخارج قبضة التأويل

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جبريل السبعي في حوار مع الرأي: الكتابة بين لؤلؤة المستحيل وخارج قبضة التأويل, اليوم الخميس 24 أبريل 2025 01:53 مساءً

جبريل السبعي في حوار مع الرأي: الكتابة بين لؤلؤة المستحيل وخارج قبضة التأويل

نشر في الرأي يوم 24 - 04 - 2025

tareebnews
- الرأي - خلود النبهان - جازان :

وسط ضجيج الكتابة المتساهلة، وتكاثر النصوص التي لا تسأل، تبرز بعض الأصوات النقدية كأنها محاولة إنقاذ للمعنى، واستعادة لصوت القارئ المفكر.
في هذا الحوار، تفتح صحيفة الرأي نافذتها نحو صوت ناقد لا يرى في النص مجرد مادة للتحليل، بل حقلًا مفتوحًا للتأمل، وسؤالًا طويل النفس عن اللغة والذات والزمن.
إنه الأستاذ جبريل السبعي، ناقد وكاتب سعودي، تتشابك في أطروحاته اللغة والفلسفة والأدب والقلق، وله إسهامات نقدية بارزة في قراءات الشعر والسرد وتحليل النصوص الحديثة. من أبرز كتبه: "التوحش: آليات الرفض والتمرد في الموروث الشعري"، و"معمار النص: تشكلات الذات والطبيعة واللغة"، و"الفوضى: مفهومها وأشكالها وتجلياتها"، و"المتخيل والملفوظ في هندسة النص الأدبي"، و"في التذوق الجمالي للقصة: أصحاب الغار".
تتمحور كتاباته حول مساءلة المعنى، والتوتر بين الذات والنص، وتفجير اللغة من الداخل لاختبار ما إذا كانت وعاءً للفكر أم شريكًا في ولادته. يؤمن السبعي أن النقد ليس نظارة محايدة، بل مرآة ذات حساسية إنسانية، وأن المثقف ليس منتجًا للمعرفة فقط، بل تجلٍّ لتراكم الوعي والتأمل والصدق مع الذات. هنا، نقترب من منطقه حينًا، وننصت له في لحظة تأملٍ حرّة، حين ينفلت الفكر من قوالبه الصارمة، ويسير على إيقاع القلب، حيث لا يكون السؤال ترفًا، بل حياة.
وإليكم هذا الحوار الذي يسائل المعنى ويجسّد الدهشة المفكّرة في ذهن القارئ:
لو لم تكن ناقدًا يكتب النص، بل نصًا يكتب قارئه… كيف سيقرؤك قارئك الأول؟ كفكرة مربكة؟ كاحتمال مفتوح؟ كعلامة تشكّلها اللغة وتقاوم التفسير؟
لو لم أكن ناقدا، لتمنيت أن أكون "إشارة" يحلق في سديمها القارئ، ثم لا تنكشف على مدلول، معلنة أنها "خارج قبضة التأويل" على نحو ما عبر جاسم الصحيح.
هل كنت ناقدًا يتشكل من الكتب، أم قارئًا يتشكّل من الأسئلة؟ وما الذي صاغ هذا التحوّل في داخلك؟
الذي أرجحه هو أنني قارئ تشكل من ذاته، بمعنى أن الإنسان قبل أن يجري وراء الوجود، لابد أن يتلمس أولا ذاته، فإن وجدها، تشكل عندئذ وعيه بالعالم، وكيف يمكن أن يكون العالم وسيلة لمقاومة الفناء، وحين لا يجد الإنسان ذاته، أو حين لا يفهمها، فإن حجابا يحول بينه وبين كل شيء.
البيئة في شعرك وفي قراءاتك ليست خلفية، بل كائن فاعل… ما الذي يمنحه المكان للكاتب؟
المكان هو الرحم الذي يولد منه الأديب، ومثله الزمان، والحديث إنما هو عنهما بمعناهما الشامل، أقصد من حيث إن المكان والزمان هما الطبيعة والمجتمع والتاريخ.
حين تنشغل بالنص، هل تسعى إلى تفكيكه أم إلى مصادقته؟ وهل تعتقد أن بإمكان الناقد أن يكون قريبًا دون أن يكون متساهلًا؟
لا أظن أن التفكيك يتعارض مع الصداقة، ولا القرب مع التساهل، فليس التفكيك إلا كما يتناول أحدنا قطعة من الطعام، وهل كوني أمضغ قطعة من الفراولة يعني أنني لا أحبها؟! أحيانا قد يكون العنف دالا على الحب، أكثر من دلالة اللين.
من يقرأ لك يلاحظ ميلًا لتفجير اللغة من الداخل… هل اللغة عندك وعاء للفكر، أم أنها الكائن الذي يقود الفكر ويقاومه؟
اللغة هي الفكر ذاته، ومسألة الفصل بينهما إنما تتم -دائما- لغايات منهجية، لا أقل ولا أكثر.
ما الذي يحرّك فيك الرغبة في القراءة: المعنى الكامن أم البنية الظاهرة؟
الذي يحرك رغبتي في القراءة هو أن أرى ذاتي متخفية في النص، والنص الذي يمثلني هو -في الحقيقة- ذلك النص الذي أحاول تقديمه للقارئ.
تبدو الكتابة النقدية في زمن السرعة وكأنها تقاوم الاختصار… ما مدى إيمانك أن البطء ضرورة فكرية؟ وهل هناك أفكار لا تصل إلا بالتروّي؟
السرعة والبطء، الطول والقصر، الإطناب والإيجاز، ليست مهمة في ذاتها، والذي يجعلها مقبولة أو مرفوضة إنما هو ما تؤديه من الوظائف، فلكل مقام مقال على رأي البلاغة القديمة.
في ظل تضخّم النشر وتناقص التأمل، ما الذي يجعل نصًّا معينًا يتوقف أمامك ويصير جديرًا بالقراءة الثانية؟
دائما .. النص الذي يستطيع أن يجعل من صوتي كما لو كانت أصداؤه تتردد في واد عميق، هو الذي يغريني بالحديث من خلاله.
هل تعتقد أن المثقف يُنتَج من لحظة صدفة عميقة أم من تراكم وعي طويل؟
المثقف لا يولد من فراغ، ولم يكن انبثاقا مفاجئا للحظة ما، وإنما هو تجارب طويلة، وعميقة، ومن أبرز ما يميزه: أولا فهمه لذاته، وثانيا معايشته لمجتمعه، وثالثا غوصه على المسائل النظرية والفكرية تأملا، وتحليلا، وتركيبا، ورابعا صدقه مع ذاته ومع الآخرين، أي أثره فيمن حوله.
إذا كانت الكتابة أداة لاكتشاف الذات، فهل مرّت بك لحظة شعرت أن نصًّا ما كتبه قلقك لا قلمك؟
لكل أديب باعث ما، يدفعه إلى الكتابة، ويحرضه على القول، وقد يكون هذا الباعث إيجابيا، وقد يكون سلبيا، غير أن ما يلتقي عنده الجميع بلا استثناء هو الرغبة في التحقق، الرغبة في أن يكون المرء موجودا، لأن الكتابة في عمقها مقاومة للموت، وعليه فما يكتبنا هي ذواتنا لا أقلامنا.
حين يتهادى التفكير في داخلك… يتأرجح، يترنّح، يستقيل من منطقه الصارم، ويندلع كمخدّر عاطفي قبل أن يعود إلى رشده النقدي… كيف تستقبل تلك اللحظة؟ وهل تمنحها مساحة للكتابة أم تتركها تمر كرفّة لا تُدوّن؟
تلك اللحظة، وذلك النوع من التفكير أمنحه كل المساحة، لأنه هو الذي تسجل بواسطته الذات حضورها الحقيقي، وأنا لا أؤمن بالصرامة الحادة، أو الموضوعية المطلقة، لأن الناقد مبدع في النهاية، وهو في كل الأحوال إنما يثبت رؤيته الخاصة، وإن تزيت -في نهاية الأمر- بأزياء علمية، وموضوعية.
هل تمر بك لحظة تشعر فيها أن كل ما كتبته كان محاولة واحدة فقط لتقول شيئًا لم تجده بعد؟
هذا هو جوهر الكتابة، إنها رحلة البحث عن لؤلؤة المستحيل.

في هذا الحوار، لم نكن نسعى إلى يقين، بل إلى شرارة تفكير. وبين ما كُتب وما لم يُقال، تظل اللغة عند جبريل السبعي ليست أداة للفهم فقط، بل طريقًا لتأمل الذات، وتوسيع حدود المعنى، وفتح أبواب الأسئلة التي لا تغلق. فكما قال: الكتابة رحلة نحو لؤلؤة المستحيل، وها نحن نغادر النص وفي ذاكرتنا صدى قارئ لا يكتفي بالقراءة، بل يُنصت لما بين السطور… حيث يبدأ المعنى.
‹ › ×

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق