نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. العرب في مفترق طرق, اليوم الخميس 12 ديسمبر 2024 12:15 صباحاً
نشر في الشروق يوم 11 - 12 - 2024
في ظل التطوّرات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، أصبحت المنطقة أمام مشهد معقد ينبئ بتحديات أمنية وسياسية جسيمة، فالفوضى التي تلوح في الأفق، سواء بفعل عودة مقاتلي التنظيمات الإرهابية أو محاولات "داعش" إعادة التموضع، تهدد بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لتضع المنطقة بأسرها أمام مرحلة جديدة من الاضطرابات.
سوريا التي أصبحت ساحة صراع مفتوحة، تواجه اليوم واقعا أكثر تعقيدا، إذ أن الملفات المطروحة، وعلى رأسها استغلال تنظيم "داعش" الإرهابي للحالة الراهنة، تثير المخاوف من أن تصبح سوريا مجددا مركزا لتجمع الجماعات الإرهابية، فهذا التنظيم الإرهابي الذي فقد الكثير من أراضيه في السنوات الماضية، يعمل بجد لإعادة بناء قدراته مستغلا التوترات بين الفصائل المتناحرة، مثل جبهة تحرير الشام، التي اعتبرها التنظيم في أحدث إصداراته "ثورة جاهلية".
في هذا السياق، تتزايد المخاوف المشروعة من ملف عودة الإرهابيين من المقاتلين الأجانب الذين كانوا جزءًا من التنظيمات الإرهابية، فعودتهم إلى دولهم الأصلية دون مراقبة كافية، أو بقاؤهم كعناصر نشطة داخل سوريا، يهدد بإحياء خلايا الإرهاب عبر الحدود، مما يجعل التنسيق الأمني الدولي ضرورة ملحة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أكدت نيتها البقاء في سوريا ل"مهمة كبيرة"، وتركيا شددت على أنها لن تسمح بتحول سوريا إلى "ساحة دماء"، فإن التجارب السابقة أظهرت أن التعامل مع الإرهاب لا يمكن أن يكون ناجعًا دون استراتيجيات متكاملة تشمل التعاون الإقليمي والدولي.
فتركيا والولايات المتحدة على سبيل المثال، اللتان سبق لهما التعامل مع ملفات مشابهة، قد تلجآن إلى تفاهمات مع بعض الأطراف، بما في ذلك ما يسميانها فصائل متطرفة، لاحتواء الوضع، لكن الخطر يكمن في إمكانية أن تتحول هذه التفاهمات إلى وسيلة لإطالة أمد الصراع أو تحويل سوريا إلى مسرح دائم للتوترات.
فلا شكّ أن التجارب السابقة في العراق وليبيا واليمن، أكدت جميعها أن الفوضى الناتجة عن انهيار الأنظمة دون خطط انتقالية واضحة تُنتج فراغا سياسيا وأمنيا يسهل استغلاله من قِبل الجماعات الإرهابية، و يعدّ هذا السيناريو مرشحا للتكرار في سوريا إذا لم تتدخل الدول العربية بشكل استباقي.
فالفوضى في سوريا إن حصلت و هو ما يخشاه العرب على هذه البلد الشقيق المتجذر في وجدان الأمة لن تكون مجرد أزمة سورية فقط، بل ستشمل استتباعاتها الدول العربية، فدول الجوار، بما في ذلك الأردن ولبنان، تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب اللاجئين، بينما تتأثر دول الخليج العربي بشكل غير مباشر من خلال تداعيات أمنية واستراتيجية.
وفي ظل هذا الوضع، لا بديل عن العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات القادمة، وهو ما ينبغي تجسيده عبر التنسيق الأمني العربي من خلال إنشاء آلية مشتركة لرصد وتحليل التحرّكات الإرهابية في سوريا ومحيطها، ووضع خطط لمواجهتها، و دعم الاستقرار السياسي بتشجيع الحوار بين الأطراف السورية المختلفة، بما يضمن الوصول إلى توافق على مرحلة انتقالية تضمن الحدّ من الفوضى، و المساهمة في إعادة الإعمار عبر توفير الدعم الاقتصادي لإعادة إعمار سوريا، وهو ما يسهم في قطع الطريق أمام التنظيمات التي تستغل الظروف الإنسانية السيئة لتجنيد الأفراد.
فترك الملف السوري ليكون حلبة صراع بين القوى الكبرى أو ساحة نفوذ لجماعات إرهابية، سيزيد من تعقيد الأزمة، إذ أن الفوضى لو حصلت لا قدر الله لن تكون مجرد نتيجة، بل هي بيئة تفرز مزيدًا من التحديات الأمنية والاجتماعية، لذلك، لا بد أن تتبنى الدول العربية استراتيجية استباقية، قائمة على التفاعل المباشر مع الملفات الأمنية والإنسانية والسياسية في سوريا، بحيث يجب أن تكون هذه الاستراتيجية قائمة على مبادئ احترام سيادة الدول وعدم السماح بتفكيك الكيان السوري لمصلحة مشاريع توسعية صهيونية كانت أو إقليمية أو دولية.
فاليوم تقف سوريا على مفترق طرق، وأي خطإ في التعامل مع الوضع الراهن قد يؤدي إلى تبعات كارثية على المنطقة بأسرها، و بالتالي فإن العمل العربي المشترك لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات، فالفوضى لا ينبغي أن تكون قدرًا محتومًا، لكنها في المقابل تتطلب تحرّكًا جماعيًا واعيًا، يعيد التوازن والاستقرار إلى سوريا والمنطقة.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق