مؤمن سليم يكتب: البورصة والذكاء الاصطناعي.. بين التطور والتحديات

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

ترتبط التكنولوجيا ارتباطاً وثيقاً بكفاءة الأعمال، خاصة في أسواق المال “البورصة”، التي بدأت تاريخياً بشكل تقليدي داخل قاعات للتداول، حيث كان السماسرة والمستثمرون يتجمعون لبيع وشراء الأسهم بشكل مباشر.

كانت العملية تعتمد على الصفقات المعلنة بصوت عالي “Open Outcry”، وتسجيل الأسعار والصفقات يدوياً على لوحات كبيرة. آنذاك، كانت المعلومات تنتقل ببطء نسبي، مع اعتماد التحليل بشكل رئيسي على الخبرة البشرية والحدس وقراءة التقارير المالية الأساسية.

ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت الشاشات الإلكترونية لتحل محل اللوحات اليدوية، مما سمح بعرض الأسعار بشكل أسرع وأكثر دقة. ثم جاء التداول الإلكتروني، الذي مكّن المستثمرين والوسطاء من تنفيذ الأوامر عبر شبكات الكمبيوتر، مما قلل الحاجة للتواجد المادي في قاعات التداول وزاد من سرعة وحجم التداولات.

اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: اقتصاديات التقاضي والرسوم القضائية

لاحقاً، ظهر التداول الخوارزمي، حيث بدأت الشركات الاستثمارية الكبرى باستخدام برامج حاسوبية معقدة لتنفيذ أوامر البيع والشراء استناداً إلى معايير محددة مسبقاً مثل السعر، الوقت، والحجم. ورغم أن ذلك كان بداية لأتمتة التداول، إلا أنه لم يكن يعتمد بالضرورة على “التعلم” أو “التفكير” بالمفهوم الكامل للذكاء الاصطناعي.

ومع بروز الذكاء الاصطناعي، حدثت قفزة نوعية تجاوزت التداول الخوارزمي التقليدي؛ إذ لم تعد الأنظمة تقتصر على تنفيذ تعليمات مبرمجة مسبقاً، بل أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولاسيما تقنيات تعلم الآلة والتعلم العميق، قادرة على التعلم والتكيف واتخاذ القرارات بناءً على تحليل كميات ضخمة من البيانات.

اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: الاقتصاد الرقمي.. محرك هام للنمو والتطور

وتقوم هذه الأنظمة بتحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالأسعار والاتجاهات، وهو ما تطبقه صناديق التحوط الكمية “Quantitative Hedge Funds” مثل Renaissance Technologies وTwo Sigma، التي تعتمد بصورة كبيرة على نماذج رياضية معقدة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحقيق عوائد مرتفعة في السوق.

وساهم الذكاء الاصطناعي كذلك في مجالات متعددة منها:

  • التداول الآلي الذكي وإدارة المخاطر.
  • تحليل المشاعر عبر تقنيات معالجة اللغات الطبيعية “NLP”، لتحليل الأخبار والتقارير ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي واستنتاج مشاعر السوق تجاه سهم معين أو قطاع كامل، كما تقوم بذلك مؤسسات مثل Bloomberg وRefinitiv.
  • المستشار الآلي من خلال منصات إلكترونية مثل Wealthfront وBetterment، التي تقدم خدمات إدارة المحافظ الاستثمارية بشكل تلقائي وبتكلفة منخفضة، باستخدام خوارزميات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

كما أدى استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تطوير التداول عالي التردد “HFT”، الذي يعتمد على تنفيذ الأوامر بسرعات فائقة وتحقيق أرباح صغيرة للغاية عبر استغلال فروقات الأسعار الطفيفة، وهو أسلوب يساهم في تعزيز السيولة في الأسواق المالية الكبرى مثل بورصة نيويورك وناسداك ولندن وطوكيو.

وعلى صعيد صغار المستثمرين، أصبح بالإمكان استخدام أدوات مثل ChatGPT لدعم قرارات التداول، من خلال تحليل البيانات المالية بشكل مبسط، واحتساب نسب النمو وهوامش الربحية والعائد على حقوق الملكية، بالإضافة إلى تقديم مقارنات بين الشركات أو الفترات الزمنية المختلفة، والمساعدة في صياغة استراتيجيات تداول مبتكرة.

اقرأ أيضا: مؤمن سليم يكتب: الدَّيْنُ العالمي.. قنبلة موقوتة أم ضرورة اقتصادية؟

أما بالنسبة لكفاءة الأسواق المالية، والتي تعني أن الأسعار تعكس جميع المعلومات المتوفرة بشكل فوري وعادل، فإن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين هذه الكفاءة، لا سيما في الأسواق الناشئة التي تعاني ضعفًا في هذا الجانب، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي على مراقبة الأسواق على مدار الساعة، واكتشاف أي تحركات غير طبيعية قد تشير إلى تلاعب أو معلومات غير معلنة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يواجه بعض التحديات. فهو يعتمد على بيانات تاريخية، مما قد يجعله أقل كفاءة في التعامل مع الأحداث المفاجئة.

كما أن كبار المستثمرين لا يزالون يحتفظون بقدرة على الوصول إلى معلومات خاصة قد تمكنهم من التلاعب بالسوق. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تفاعل الخوارزميات مع بعضها البعض إلى نتائج غير متوقعة، كما حدث في أزمة “الفلاش كراش” عام 2010، عندما انخفض مؤشر داو جونز بأكثر من 1000 نقطة خلال دقائق معدودة نتيجة خلل في أنظمة التداول الآلي، وهو ما دفع هيئة الأوراق المالية الأمريكية إلى تطبيق أنظمة حماية مثل “Circuit Breakers” لوقف التداول مؤقتًا في حال حدوث تذبذبات حادة في السوق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق