في تقرير صدر عن معهد "هادسون" الأمريكي للأبحاث بتاريخ 18 أبريل 2025، تطرقت الباحثة "زينب ريبوع" إلى التحولات العميقة التي تشهدها جبهة البوليساريو، معتبرة أنها تجاوزت طابعها الانفصالي التقليدي لتصبح فاعلًا غير دولتي يتقاطع مع أجندات قوى إقليمية ودولية معادية للاستقرار.
ويستند التقرير إلى مجموعة من المعطيات التي تشير إلى وجود شبكة علاقات متنامية بين الجبهة وأطراف مصنفة كجهات داعمة للإرهاب، في مقدمتها الحرس الثوري الإيراني عبر ذراعه حزب الله، الذي يوفّر للبوليساريو أشكالًا مختلفة من الدعم العسكري والتقني، بما في ذلك التدريب على استخدام الطائرات المسيرة. ويُفهم من ذلك أن هناك توجهًا نحو توظيف الجبهة في استراتيجيات تستهدف خلق بؤر توتر جديدة في شمال إفريقيا.
كما يتناول التقرير العلاقة المتنامية بين البوليساريو وحزب العمال الكردستاني، الذي يُعد من أخطر التنظيمات الإرهابية فوفق تصنيف كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويؤكد أن هذا التقارب يُسهم في توسيع دائرة التهديدات العابرة للحدود، ما يستدعي إعادة تقييم شاملة لطبيعة الجبهة وخطورتها على الأمن الإقليمي والدولي.
في سياق متصل، يلفت التقرير إلى الدور الذي تلعبه الجزائر، من خلال توفير دعم مادي وعسكري مباشر للجبهة، فضلاً عن تسهيل عمليات التدريب ونقل السلاح عبر أراضيها. ويشير إلى أن مخيمات تندوف باتت تشكل بيئة خصبة لاحتضان شبكات التهريب والتطرف، ما يضع علامات استفهام حول الصيغ القانونية والإنسانية التي يُفترض أن تحكم وضع اللاجئين في تلك المنطقة.
أما على الصعيد الدولي، فإن الدعم السياسي الذي توفره جنوب إفريقيا للبوليساريو، عبر الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية"، يُعد عاملًا معرقلًا للجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حل واقعي وتوافقي للنزاع، كما يمنح الجبهة غطاء دبلوماسيًا تستغله لتوسيع تحركاتها في المحافل الدولية.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يرى معهد "هادسون" أن من مصلحة الولايات المتحدة تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية، مشيرا إلى أن مثل التصنيف من شأنه أن يضعف مصادر تمويل الجبهة، ويحد من قدراتها على تهريب الأسلحة، ويعزلها عن شركائها الإقليميين، كما يوجه رسالة واضحة بأن واشنطن لن تتهاون مع الجهات التي ترعى أو تتسامح مع الجماعات المسلحة. إضافة إلى ذلك، فإن هذا التصنيف يعزز من مكانة المغرب كشريك موثوق في جهود مكافحة الإرهاب، ويدعم مقاربته للحكم الذاتي كحل عملي للنزاع، في إطار يحفظ الأمن الإقليمي ويخدم المصالح الأمريكية.
كما يشير ذات التقرير أيضا إلى أن اتخاذ هذه القرار سيوجه ضربة استراتيجية لنفوذ إيران في إفريقيا، من خلال قطع قنوات الدعم والتواصل بين الحرس الثوري ووكلائه في المنطقة. كما سيساهم في تعزيز الأمن في منطقة الساحل، عبر تقليص تدفق السلاح إلى الجماعات الجهادية، ويدعم بذلك الجهود الأمريكية الرامية إلى بناء شراكات أمنية متينة مع الدول الإفريقية ذات التوجهات الاستقرارية.
من جانب آخر، من شأن هذا التصنيف أن يفضح استغلال الجبهة للمخيمات الإنسانية في تندوف لأغراض سياسية وعسكرية، ويُعزز من مطالب إخضاعها لرقابة دولية شفافة تكشف طبيعة ما يجري على الأرض، وتوفر الحماية الفعلية للمدنيين المتواجدين فيها.
ويرى معهد "هادسون" أن تجاهل هذه التحولات الخطيرة قد يؤدي إلى اتساع رقعة عدم الاستقرار في منطقة تُعد اليوم محورية في التوازنات الجيوسياسية العالمية، لا سيما مع تزايد اعتماد سلاسل الإمداد الدولية على موارد الطاقة والمعادن القادمة من إفريقيا.
وفي ظل هذه المعطيات، يبرز المغرب كشريك أساسي للولايات المتحدة في حماية المصالح المشتركة، ليس فقط عبر مواجهة التهديدات الأمنية، بل أيضًا من خلال تقديم نموذج للتعاون الإقليمي البناء.
وبناءً على هذا التقييم، يعتبر المعهد أن تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية لم يعد خيارًا سياسيًا يمكن النظر فيه، بل ضرورة استراتيجية تمليها الوقائع الميدانية والتحديات الأمنية المتزايدة، كما يشكل اختبارًا لمدى جدية واشنطن في التصدي للتهديدات غير التقليدية التي تواجهها مصالحها في شمال وغرب إفريقيا.
يشار إلى أن معهد "هودسون"، هو مركز أبحاث أمريكي محافظ تأسس عام 1961 في واشنطن العاصمة، ويُعنى بتحليل السياسات العامة والأمن القومي والشؤون الدولية. يتميز بتوجهه المحافظ ودعمه لدور أمريكي عالمي قوي، ويركز على قضايا مثل الأمن، العلاقات الدولية، الاقتصاد، التكنولوجيا، والطاقة. يرتبط المعهد بعلاقات وثيقة مع الحزب الجمهوري، وله تأثير ملموس في صياغة السياسات الأمريكية، كما يُعد منصة بارزة لصناعة الرأي واستضافة الشخصيات الدولية.
0 تعليق