نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرواية والتاريخ, اليوم الجمعة 16 مايو 2025 01:06 صباحاً
نشر بوساطة نزار عبد الحميد في الرياض يوم 15 - 05 - 2025
لطالما كانت العلاقة بين الرواية والتاريخ موضوعًا معقدًا وملحًّا في الأدب ككل والسرد على وجه الخصوص، لتداخل المتخيل مع الوثائقي، والفني مع العلمي.
وبالرغم من أن الرواية تتناول حدثًا أو أحداثًا تاريخية معينة، فإنها تميل إلى إعادة تشكيلها من خلال التخييل الفني، مما يجعلها -أي الرواية- تختلف عن المستند التاريخي المعتمد على الأدلة الوثائقية والمعايير العلمية الصارمة.
لذا، يبقى سؤالنا المحوري: هل يمكن للرواية التاريخية أن تعتبر مستندًا موثوقًا؟!
* الرواية والتاريخ: بين الواقع والتخييل
الرواية التاريخية هي تفاعل بين الواقع والتخييل، إذ تسعى لتمثيل أحداث محددة ضمن قالب أدبي يهدف لإحياء الماضي لا كما هو، بل كما يمكن أن يكون، في أعين الذين عاصروه أو قرأوه أو تناقلوه ضمن ارثٍ تاريخي لا يقبل المساس أو التنازل.
وإذا كانت الرواية تستند إلى حقائق تاريخية، فإن الخيال الأدبي يلعب دورًا بارزًا باعادة تشكيلها ضمن رؤية معينة تتيح للكاتب أن يترك بصمته الخاصة.
وبحسب الناقد د. عبدالله ابراهيم، والذي طرح مفهومًا جديدًا بأن يحل «التخييل التاريخي» محل الرواية التاريخية التقليدية، حيث يفرد المجال للجمع بين المستند والفن في تأويل جديد للأحداث. من خلال التخييل، الذي تتحول معه الرواية من مجرد سرد تاريخي إلى حقل جديد للإبداع الفكري الذي يمد القارئ بجسرٍ يصل بين الحقيقة التاريخية وأبعادها الإنسانية.
من حيث أن يحل هذا التخييل محل الرواية التاريخية، بل أن الأوان قد حان لهذا القول حسب اعتقاد الأخير.
التخييل التاريخي: بين فن الرواية وقيد المستند
* من الأسئلة الحاسمة التي يثيرها الموضوع: هل يمكننا اعتبار الرواية التاريخية «مستندًا تاريخيًا»؟
وبالرغم من أن الروايات التاريخية تكون على حقائق تاريخية قائمة، إلا أن الرواية كفن تعتمد في جوهرها على إعادة تشكيل الأحداث وإدخال العنصر الإبداعي في قوامها الأساس. لذلك ومن وجهة نظر نقدية لا يمكننا الاعتماد عليها كمصدر أساس لتحقيق الوقائع التاريخية.
فالمستند التأريخي لا يقتصر على نقل الوقائع كما حدثت فحسب، بل يعتمد على أدلة ووثائق يمكن التحقق منها بشكل موضوعي. في المقابل يعمل التخييل التاريخي على تقديم رؤية إنسانية وفنية للأحداث، ما يفتح الباب أمام تفسير وتخيّل إضافي لواقع استدعاء الماضي كحاضر لا لاستدعائه فقط، بل لاستشراف مستقبل ينقد الواقع بمافيه محاولًا عبر « الفن الروائي» جعل الماضي في قلب الحاضر كداعم كبير للمعرفة بعيدًا عن قيد المستند.
ومن أهم ما يعول عليه في الرواية التاريخية هي التأصيل لحقبة بعينها من خلال التقاطات لفترة زمنية تُسقى بالمتخيل السردي لتقدم أحداث تدعم الحقيقة وتشفع لمشروعية الفن الروائي باستخدامه لها كمادة صالحة للاستخدام الفني وفق معايير يراها الكاتب من وجهة نظرٍ تخصه وقارئه المفترض.
عليه فالتخييل التاريخي لا يعمل على إعادة سرد الأحداث فقط ، بل يعيد تصوّرها في سياق التجربة الإنسانية، على ألَّا تُغفل أبعاد العاطفة والذاكرة الجمعية التي تشخص كيف عاش الناس تلك الأحداث. كما أنه يقدم إضافة فكرية تُغني التاريخ بوصفه مجرد سلسلة من الوقائع، فالتاريخ عبر الرواية لا يُسرد ك «مجموعة من الحقائق» بل كمجموعة من القصص الحية التي تتنفس في اللحظات المتخيلة.
-الرواية التاريخية: جدوى الاعتداد والتحديات
وإذا كانت الرواية التاريخية توفر قراءة فنية للعواطف والتجارب الإنسانية، فإنها تبقى غير قادرة على ملئ فجوة الحقيقة التاريخية القائمة على المستندات الرسمية. لذا، يمكن القول إن الرواية التاريخية لا يمكن أن تحل محل التوثيق العلمي، بل تظل بمثابة أداة إبداعية تُسهم في تقديم التاريخ بصورة إنسانية وجمالية أكثر من كونها وسيلة موثوقة لتوثيق الحقائق.
ومع ذلك، لا يمكننا إغفال أهمية الرواية التاريخية في التأثير على الذاكرة الثقافية الجمعية للأمم. فهي تُكمّل المستند التاريخي، وتعمل على تقديم التاريخ الحي الذي قد يظل غامضًا أو مفقودًا في السجلات الرسمية. من هنا يمكننا القول إن الرواية التاريخية والتخييل التاريخي يُعيدان تشكيل التاريخ وفقًا ل تصورات المجتمع والإنسانية، مما يُقدّم رؤية مغايرة عن القراءة الرسمية للتاريخ.
* الرواية التاريخية وتأثيرها على الذاكرة الجمعية:
وبالرغم من عدم إمكانية الاعتماد على الرواية كمستند تاريخي كما أسلفنا، فإنَّ الرواية التاريخية تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الذاكرة الجمعية للأمم. فهي لا تسجل فقط الأحداث الواقعية، بل تعيد تشكيلها من خلال التجارب العاطفية والإنسانية التي مرت بها الشخصيات. هذا النمط من السرد يساعد الأجيال الجديدة على التفاعل مع الماضي وفهم كيف أثرت تلك الأحداث على الأفراد والجماعات.
* ناقد
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق