نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. متى تنتهي مرحلة العبث العربي ؟, اليوم الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 10:53 مساءً
نشر في الشروق يوم 03 - 12 - 2024
بات واضحا أن كرة النار سوف تتدحرج في كل الاتجاهات.. وان أي بلد عربي لن ينجو من نيرانها ومن شظاياها. لذلك فإن سياسة النعامة حين تدك رأسها في الرمل لن تجدي الدول العربية التي تظن أنها في مأمن والتي تدك رأسها في الرمل في انتظار مرور العاصفة .
على هؤلاء، وعلى كل العرب أن يدركوا أن عاصفة «الشرق الأوسط الجديد» صمّمت لتضرب الجميع... وهندست لتحطم كيانات ولتغيّر خرائط ولتعيد رسم حدود على أسس عرقية وطائفية ومذهبية... تنتج عنها دول قزمية تدور في فلك الكيان الصهيوني وتستمد منه ومن حليفه الأمريكي مبررات وجودها وأسباب استمراريتها.
حين تحدثت كندوليزا رايس عام 2006 وقد كانت وقتها وزيرة الخارجية الأمريكية فقد كشفت كل الأوراق. وأكدت أن غزو العراق واحتلاله واسقاط قيادته وتدمير مؤسساته وحلّ جيشه هو مقدمة لطوفان شامل سوف يجرف المنطقة وسوف يفضي إلى قيام «شرق أوسط جديد» بمواصفات أمريكية صهيونية. رايس قالت إن كرة النار سوف تتدحرج صوب سوريا ومنها إلى باقي الساحات العربية لتبلغ السودان والسعودية وليبيا ولتكون مصر بمثابة «الجائزة الكبرى».
هذه الأدبيات أعاد نتنياهو سردها على مسامع العرب والعالم في مجلس الأمن عندما استظهر بتلك الخريطة التي رسم فيها معسكري الخير والشر.. وعندما أكد أنه ماض لتفكيك معسكر الشر الممتد من منطقتنا العربية وحتى إيران. وإنه ماض لتغيير وجه الشرق الأوسط. وبالفعل فإن أفعال نتنياهو لم تتأخر في ترجمة أقواله ليندفع صوب لبنان ويعمل منه تدميرا وقتلا وعربدة على مرأى ومسمع من كل العرب ومن كل الهيئات والمؤسسات الأممية والدولية. وحين بدا له وللحلف الأمريكي أن ثمن اجراء «العملية الجراحية» على لبنان سيكون باهظا تدخلت إدارة بايدن بالضغوط وبالمخاتلات لتمكينه من تحقيق ما عجز عن تحقيقه بواسطة آلته الحربية عن طريق اتفاق يؤمن للكيان الصهيوني في نهاية المطاف تحقيق أهدافه الكبرى من دحر قوات "حزب الله" إلى شرقي نهر الليطاني ومن تفكيك لمصانع الأسلحة ومن بسط لسلطة الجيش اللبناني على الشريط الجنوبي.
لم تكد جبهة لبنان تهدأ حتى انفتحت المنطقة على مشهد جديد.. مشهد مختلف في لاعبيه لكنه متّسق في غاياته وأهدافه.. وذلك حين اندفع ما يربو على 30 ألف ارهابي من جبهة النصرة وتوابعها وبدعم تركي صهيوني واضح صوب محافظة حلب ليدخلوها بطريقة محيّرة لجهة السهولة التي تمت بها ولجهة غياب مقاومة تذكر من الجيش السوري وبخاصة لجهة عدم تفطن السلطات السورية لتحرك ارهابي في هذا الحجم مع ما استوجبه من حشد وتعبئة لكل تلك الاعداد من الارهابيين.
ومع الأيام بدأت معالم المؤامرة تتّضح حين تطلع الارهابيون صوب محافظة حماة وحتى حمص في مسعى بيّن لاحكام الطوق حول العاصمة السورية أو على الأقل لتأمين شريط موال للصهاينة يضعف الدولة السورية من جهة ويمكّن من قطع الحبل السري الذي يربط جنوب لبنان (حزب الله) بإيران عبر التراب السوري... وما لم يتلقوا ضربة قاصمة من الجيش العربي والسوري وحلفائه وهو ما لن يتأخر فإن المخطط الصهيوني الأمريكي سوف يمرّ إلى فصول أخرى مستغلا ضعف العرب وعجز البعض وتواطؤ البعض الآخر وغياب أي إرادة للنظام الرسمي العربي في لملمة الصفوف ومحاولة ايقاف النزيف وتأمين ما بقي من مفهوم الأمن القومي العربي.
وعودا على بدء.. هل يعتقد باقي العرب أنهم في مأمن من كرة النار حين تتدحرج من غزة إلى لبنان ومنه إلى سوريا؟ وهل يعتقد هؤلاء أن الادارة الأمريكية كانت تمزح أو تتسلّى حين أطلقت مفهوم «الشرق الأوسط الجديد» وحين لوّحت بمشرط «التقسيم وإعادة التشكيل»؟ وهل يعتقدون أن العاصفة لن تقتلعهم حين يكتفون بدك الرؤوس في الرمل في انتظار مرورها ؟ إنها أسئلة حائرة ترتسم في سماء الوطن العربي لتذكر كل العرب أننا إزاء مرحلة مفصلية نكون بعدها أو لا نكون وبأنه آن الأوان لمرحلة العبث واللامبالاة أن تنتهي لتبدأ مرحلة الجدّ قبل أن نفتح عيوننا على كرة النار وقد اكتسحت ساحات عربية أخرى. وقبل أن نفتح عيوننا فنجد أن الشرق الأوسط قد تغيّر.. كما توعّد بذلك نتنياهو.
عبد الحميد الرياحي
.
0 تعليق