نافذة أمل جديدة تؤخّر السكري وتُعيد تعريف الطب الوقائي

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نافذة أمل جديدة تؤخّر السكري وتُعيد تعريف الطب الوقائي, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 06:02 مساءً

نافذة أمل جديدة تؤخّر السكري وتُعيد تعريف الطب الوقائي

نشر في الرياض يوم 30 - 05 - 2025

2134777
في تحوّل نوعي يفتح آفاقًا جديدة في التعامل مع السكري النوع الأول، كشفت تطورات طبية حديثة عن علاج مناعي يُعتمد لأول مرة في المملكة العربية السعودية، يمكنه تأجيل ظهور المرض لمتوسط فترة تتراوح من سنتين الى سنتين وسبعة أشهر لدى الأشخاص المعرضين للإصابة. هذا التطور لا يقتصر على الجوانب العلاجية فقط، بل يعيد النظر في كامل المنظومة الوقائية، من فحوصات طبية قبل الأعراض إلى الرعاية المبكرة والتثقيف المجتمعي.
هذه التطورات الطبية كانت محور حديث الأستاذ الدكتور بسام صالح بن عباس، استشاري أمراض الغدد الصماء والسكري، الذي أكدّ في حديثه أن اعتماد العلاج الجديد يمثّل بصيص أمل حقيقي في مستقبل الطب الوقائي، حيث يستهدف جذور الخلل المناعي الذي يسبب المرض، ويعمل على تثبيط الأجسام المضادة التي تهاجم خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الإنسولين.
وتأتي أهمية هذا التطور العلاجي، إذ يُعدُّ نقلة نوعية حقيقية مقارنة بجهود سابقة لم تنجح بفعالية في الوقاية من السكري من النوع الأول، فعلى مدار السنوات الماضية، ظلت طرق الوقاية من هذا النوع غير مجدية رغم المحاولات الكثيرة، التي شملت طرح بعض التطعيمات الوقائية، واستخدام الأنسولين عن طريق الوريد أو الفم كإجراءٍ وقائي.
ويوضح الدكتور بسام الفرق الجوهري بين النوعين الأول والثاني من داء السكري، مؤكدًا أن النوع الأول لا علاقة له بالسمنة أو نمط الحياة، بل هو اضطراب مناعي ذاتي، حيث تهاجم الأجسام المضادة خلايا البنكرياس وتُضعف قدرتها على إفراز الإنسولين. هذا الفهم العلمي هو ما شكّل القاعدة لانطلاق أحدث العلاجات المعتمدة في هذا المجال.
وما يميز هذا العلاج، الذي حصل على اعتماد هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ثم الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية، هو بساطة بروتوكوله الزمني وفاعليته العالية. فهو يُعطى عبر حقن يومية لمدة 14 يومًا، للفئة العمرية من 8 سنوات فأكثر، ضمن إشراف طبي مُحكم تشمل فحوصات دقيقة.
ويُمنح العلاج فقط لمن تُظهر فحوصاته وجود جسمين مضادين أو أكثر، وهو ما يُعد دلالة على ارتفاع خطر الإصابة بالسكري من النوع الأول بنسبة قد تصل إلى 70% خلال عشر سنوات. وبذلك يُمكن للعلاج أن يُحدث فرقًا جذريًا في المسار المرضي بتأجيل المرحلة الثالثة من السكري، والتي تتمثل بالإصابة الكاملة والاعتماد على الإنسولين مدى الحياة.
ولم يكتفِ الدكتور بسام بالمداخلة العلمية، بل قدم رؤية فلسفية إنسانية استلهمها من تعبير "زراعة الأمل"، حين شبّه دور طبيب الأطفال بزراعة لا تحتاج إلى مثبطات مناعية، بل تُعزّز مناعة الطفل النفسية والجسدية، وتمنحه قدرة داخلية على مقاومة المرض. في ظل هذه المقاربة، يتحول الطبيب من مجرد معالج إلى حامٍ للمستقبل، وزارعٍ لليقين في وجدان الأسر.
امتد الحديث إلى أهمية الكشف المبكر كمدخل رئيسي للعلاج الوقائي، حيث أشار الدكتور بسام إلى أن مرحلة "ما قبل السكري" لا تظهر فيها أي أعراض، لكنها قابلة للرصد عبر مؤشرات مناعية. ومع توفر أدوات الكشف، يصبح بالإمكان التدخل المبكر، وتحقيق نتائج مهمة في الحد من تطور المرض.
وأكد الدكتور بسام أن جهود مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث انطلقت بالفعل عبر بروتوكولات تستهدف أقرباء مرضى السكري النوع الأول، بهدف التوسّع لاحقًا نحو برنامج وطني شامل. فبالرغم من أن الوراثة تُعد من العوامل المؤثرة، إلا أن نحو 90% من المصابين بالسكري النوع الأول لا يوجد لديهم تاريخ عائلي، ما يعزز من ضرورة تطبيق الكشف على نطاق مجتمعي أوسع، وعدم حصره في الحالات العائلية فقط.
وتطرّق الدكتور بسام إلى جانب آخر يتعلق بحموضة الدم (الحماض الكيتوني)، وهي من أبرز المضاعفات الخطيرة التي قد تُصيب الأطفال واليافعين عند التشخيص المتأخر، وتؤثر سلبًا على توازن الأملاح، ودرجة الحموضة، وحتى على الإدراك العقلي واستقرار نسبة السكر مستقبلًا. ويرى أن الوقاية من هذه الحالة تبدأ من لحظة إدراك الأهل لأهمية الفحص المبكر والتدخّل العلاجي الوقائي، قبل أن تظهر الأعراض السريرية.
ورغم ما تحقق حتى الآن، يشير الدكتور بسام إلى أن الأبحاث ما زالت جارية لتطوير هذا العلاج وتوسيعه، سواء عبر دمجه مع علاجات مناعية أخرى وهو ما قد يطيل من مدة الحماية ويؤخر الإصابة لسنوات إضافية. ويؤكد أن هذه الاستراتيجية تتماشى مع رؤية المملكة الطموحة في التحول نحو الوقاية المجتمعية، وتقديم حلول صحية مبتكرة تستبق الأمراض المزمنة بدلًا من مجرد معالجتها.
إن ما يُميز هذا التقدم ليس فقط وجود علاج وقائي فعال، بل انتقال في فلسفة التعاطي مع المرض، من رد الفعل إلى المبادرة، ومن انتظار الأعراض إلى استباقها، ومن التشخيص إلى التنبؤ. وكل ذلك يُترجم إلى حماية أفضل للبنكرياس، وتقليل للمضاعفات، وتحسين لجودة الحياة لدى الأطفال واليافعين المعرضين للخطر.
في ضوء ذلك، يرى الدكتور بسام صالح بن عباس أن هذا العلاج لا يجب أن يُنظر إليه كعلاج فقط، بل كخطوة أولى نحو استراتيجية وقائية وطنية شاملة، ترتكز على العلم، وتُبنى على الوعي، وتزرع الأمل في كل بيت.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار ذات صلة

0 تعليق