اليوم الجديد

سبع سنوات على مقتل علي عبدالله صالح ما الذي تغير؟ ومن المستفيد والخاسر؟ (تحليل)

سبع سنوات مرت منذ مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح على يد حلفائه في جماعة الحوثي في الرابع من ديسمبر 2017م، وهو الحدث الذي مثل تحولا في اليمن، وأدى لعدة متغيرات، لعل أبرزها ما يتصل بإرث صالح، وكذلك مكاسب الحوثيين من رحيله، والمشهد الذي تشكل عقب ذلك في اليمن.

 

عمل صالح رئيسا لليمن في فترتين من تاريخ البلاد، امتدت الأولى من تاريخ صعوده للسلطة في العام 1978م، حتى توحد شطري اليمن في الـ22 من مايو 1990م، ثم فترة أخرى امتدت في فترة الجمهورية الوليدة من اندماج الشطرين، حتى سقوط نظامه في العام 2011م، جراء الثورة الشعبية.

 

قضايا وأزمات

 

حكم صالح اليمن كأطول حاكم لهذا البلد الذي عانى صراعا لم يتوقف في عدة محطات من تاريخه السياسي القديم والحديث، لكن أبرز القضايا التي واجهته تتمثل في طريقة الحكم التي أنتجت العديد من الأزمات، والتي انفجرت دفعة واحدة مولدة ثورة شعبية، بسبب الانسداد السياسي، والاتجاه نحو توريث الحكم لعائلته، وعوامل أخرى ضاعفت الاحتقان.

 

لكن أبرز القضايا التي طغت على مسيرته السياسية تتمثل بالحروب التي شهدتها محافظة صعدة مع جماعة الحوثي، ووصلت لست حروب، وكذلك بقاء ملف القضية الجنوبية مفتوحا، بما خلفته من تداعيات، وهي ذات القضايا التي امتدت لما بعد حقبة صالح، ولاتزال تؤثر في المشهد اليمني الراهن.

 

الثورة الشعبية

 

تنحى صالح عن الحكم رسميا بموجب المبادرة الخليجية، التي وضعت كخارطة طريق للبلد الذي كان حينها يعيش غليانا ثوريا واسعا، في ثورة جذبت انتباه العالم، وانتقل بعدها صالح ليكتفي بإدارة حزبه السياسي المؤتمر الشعبي العام، محافظا على هيمنته في مؤسسات الدولة، أبرزها في الجانب القبلي والمؤسسات الحكومية، والقوات المسلحة، ما أتاح له بقاء حضوره، وتدخلاته في عملية الانتقالي السياسي التي رعتها الأمم المتحدة.

 

ومع اختتام مؤتمر الحوار الوطني، أطلت جماعة الحوثي برأسها في اليمن، من خلال الفوضى التي أحدثتها في محافظة صعدة، وتقدمها نحو المدن اليمنية الأخرى، وصولا إلى العاصمة صنعاء التي أسقطتها في الـ21 من سبتمبر 2014م، وكان صالح حينها عاملا مساعدا لها، وتلاقت أجندة الطرفين في الانتقام من الرئاسة والحكومة التي تولدت من المبادرة الخليجية، وهو ما فجر احتقانا واسعا، وتسبب بفرض عقوبات على صالح، وقيادة جماعة الحوثي.

 

أدى سقوط صنعاء أولا بيد الحوثيين وحليفهم صالح لبدء مرحلة جديدة من الأحداث في اليمن، ثم تطورت لاحقا مع العمليات العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن، بتحالف تشكل من عشر دول، ودعم دولي، وهي الخطوة التي أدت لتشكل تحالف واضح بين صالح والحوثيين لتقاسم الحكم في صنعاء، وبلغ مستوياته من خلال تشكيل ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى، وتمخض عنه تشكيل حكومة من الطرفين.

 

مقتل صالح

 

لكن الأحداث تأتي دوما في غير سياقها المفترض، إذ اندلعت أحداث وتطورات أدت للاحتقان بين الطرفين، وانفجر الموقف بينهما مطلع ديسمبر من العام 2017م، حينها أعلن صالح الانقلاب على الحوثيين الذين وصفوا ذلك بالفتنة، وفي مقابل دعوة صالح لأنصاره لمواجهة الحوثيين، حشدت الجماعة نفسها واستنفرت، واندلعت معركة جانبية بينهما في صنعاء استمرت لأربعة أيام، وانتهت بإعلان مقتل علي عبدالله صالح، واسدال الستار على مسيرته في حكم اليمن.

 

مثل مقتل علي عبدالله صالح حدثا بالغ الأهمية، ويعد بمثابة انعطافة جديدة لتطورات الأحداث في اليمن، في مختلف المستويات، سواء ما يتعلق بمصير حزبه السياسي، أو مكاسب الحوثيين، أو مجريات المواجهات العسكرية، أو خريطة التحالفات والخصوم في اليمن.

 

مكاسب الحوثيين

 

دفع مقتل صالح الحوثيين لملء فراغة في حكم المناطق الخاضعة لسيطرتهم، والإطباق الكامل على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وذوبان حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، وانطلاق المشروع الخاص بالحوثيين، وتوحد قناتهم الخارجية، بعد أن كانت مشاركتهم تتم برأسين، المؤتمر أحدها.

 

كان مقتل صالح بالنسبة للحوثيين مكسبا كبيرا، فقد تخلصوا من خلاله من خصم طالما اعتبروه سببا لمقتل مؤسس الجماعة حسين بدرالدين الحوثي في العام 2004م، نهاية الحرب الأولى في صعدة، كما أنهم تمكنوا من لجم ووأد كل المحاولات التي من شأنها أن تؤدي لانتفاضة أي طرف ضدهم محليا، وبنفس الوقت توحيد قنواتهم في بوتقة واحدة أمام الداخل والخارج.

 

عائلة صالح

 

بالنسبة لعائلة صالح مثل مقتل صالح بالنسبة لها ضربة قاصمة، فهو الذي كانت تستمد منه النفوذ والمكاسب، وتوزعت بعد مقتله إلى عدة اتجاهات، فهناك طارق صالح الذي اتجه بدعم من الإمارات لتشكيل دويلة خاصة به في الساحل الغربي، والتحق بالحكومة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وذلك في مجلس القيادة الرئاسي، وهناك النجل الأكبر لصالح الذي ظل محتفظا بمكانه في دولة الإمارات، يعارك العقوبات الأممية، قبل أن ترفع عنه نهاية العام 2024م، ثم بقية العائلة التي فضلت الانكفاء على نفسها، متنقلة في عدة بلدان.

 

وبعد أشهر قليلة من الصدمة التي تلقتها عائلة صالح، بدأت في التحرك للعودة إلى الواجهة مستفيدة من إرثه السابق، وطريقة مقتله، لتقديم نفسها في المشهد من جديد، عبر محاولات إحياء وقفت الإمارات والسعودية خلفها، من خلال تمويل شخصيات في العائلة، إعلاميا وسياسيا، وكانت اليافطة المناسبة لذلك هي توحيد الصف لمواجهة جماعة الحوثي.

 

كسبت عائلة صالح بعد مقتله منفذا جديدا للعودة إلى الواجهة بأجنحة متعددة، وتمكنت مدفوعة من أطراف خارجية من سحب العقوبات الأممية المفروضة عليه، وبتدخل خارجي دفعت السعودية والإمارات بباقي المكونات السياسية لتقبل عائلة صالح، والانخراط معها في جبهة واحدة، وهو ما بدا ملاحظا من التحول في خطاب التجمع اليمني للإصلاح الذي سلط الضوء على ذكرى رحيل صالح هذا العام باعتباره ثورة، بعدما كان إعلام صالح نفسه يعتبرها انتفاضة.

 

وثمة تباين بدا واضحا في عائلة صالح، يتمثل في رأسين للعائلة، الأول يمثله طارق صالح، والآخر يمثله نجله "أحمد"، واحتفاظ كل رأس بمقومات بقائه، وأجندته، والوسائل التي يعمل من خلالها.

 

مصير الحزب

 

ولعل من أبرز الخسائر التي خلفها صالح بعد مقتله يتمثل في الوضع الذي آل إليه حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي ظل صالح متربعا على رئاسته منذ التأسيس، واتخذ منه حصانا وواجهة لنظام حكمه، ليظل في رأس السلطة، محققا العديد من المكاسب الخاصة به.

 

تلقى الحزب الضربة الأولى بعد خروج الرئيس هادي إلى الرياض، وإعلانه من هناك تشكيل نسخة جديدة من الحزب، لكن الضربة الأكبر كانت بعد مقتل صالح، إذ توزع الحزب إلى عدة نسخ، أحدها تلك التي ظلت في صنعاء، برئاسة صادق أمين أبوراس، والأخرى تلك التي في الخارج، وتمتد لحقبة هادي، وأخرى متصلة بصنعاء ومختلفة عنها، وتتمثل بنجل صالح الأكبر "أحمد"، مع تكتلات عديدة جميعها خرجت من رحم حزب المؤتمر.

 

المؤتمر تلقى ضربة أخرى بمحاولة الشرخ التي أحدثها طارق صالح من خلال مجلس المقاومة الذي شكله في الساحل الغربي لليمن، وتخصيصه جناحا سياسيا، تشكل من أعضاء وقيادات سابقة في حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما يصعب التئام الحزب من جديد، ويضاعف الخسارة في جسده.

 

المستوى الإقليمي

 

على المستوى الإقليمي تعاملت السعودية والإمارات مع رحيل صالح ببرود شديد، وطوت الدولتين صفحته بشكل تام، ولعل ذلك يعود لاعتبارهن أن الرجل كان مسؤولا عن توريطهم في حرب اليمن، من خلال التحالف مع جماعة الحوثي، وهو ما بدا واضحا في الحملات الإعلامية التي شنها إعلام الدولتين ضد صالح ونظامه، منذ تحالفه مع الحوثيين، وكذلك رفض دعواته لهم بوقف الحرب، ثم تخليهم عنه في نهاية المطاف لصالح الحوثيين.

 

تأثيرات داخلية

 

أدى مقتل علي عبدالله صالح في اليمن، لتوزع إرثه الطويل على مجمل مناحي الحياة في اليمن، وتحول حقبته لأحد جذور الأزمة اليمنية الراهنة، التي يدفع كلفتها اليمنيين اليوم، بفعل سوء الإدارة الذي اتسم به نظامه السياسي، وشكلت نواة لكثير من مظاهر الاحتقان والصراع الدائر اليوم في اليمن.

 

وفي مجمل الأحوال فإن مقتل صالح يمثل واحدة من تجارب الحكم المريرة في اليمن، وتضع تفاصيلها وصيرورة النهاية فيها دروسا عديدة، ودلالات متعددة لنمط وخلاصة إدارة اليمن.

أخبار متعلقة :