في ريف تعز الجنوبية، على قمم جبال صبر، نساء ريفيات يقاومن ظروف الحرب بالزراعة، على الرغم من كل التحديات التي تواجهها المرأة بصورة يومية، ناهيك عن التغيرات المناخية التي أثرت بشكل كبير على الزراعة في اليمن ككل.
كل صباح تذهب "أمة الرحمن عبدالله" إلى مزرعتها لتفقدها، منذ أن بدأت في زراعة السمسم هذا العام لأول مرة، ولخوفها من تأخر موسم الزراعة وتفاقم مشكلة الجفاف وقلة الأمطار، إلا أنها " زرعت وكنت كل يوم أكافح عشان ما أخلي الآفات تقضي على المحصول، بعد ان دربونا عرفنا كيف نتعامل مع المشاكل الزراعية".
"أمة الرحمن" ذات الـ53 عامًا، تقول في حديثها لـ "الموقع بوست" أنها : " تأخر المشروع والموسم قد كان راح منه كثير، لكن المدربين والقائمين على المشروع زودونا بكل شيء، واستفدنا حاجات كثيرة"
المزارعة حورية غالب، هي الأخرى واحدة من النساء اللاتي استهدفهن المشروع في صبر، تؤكد في حديثها لـ"الموقع بوست" بأنه المشروع خطوة إيجابية لتمكين المرأة الريفية في مجال الزراعة بخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
تضيف حورية قولها :" بالرغم أن المشروع ما نجح بشكل كامل، لكننا اكتسبنا معرفة تامة ومهارة وخبرة كافية لزراعة السمسم الموسم المقبل والخروج بمحصول أكبر وبجودة كبيرة".
مبادرات تمكين
في ظل الظروف الاقتصادية المتدنية التي تعيشها الأسر اليمنية، سواء في المدينة أو المناطق الريفية، فالأزمات المعيشية والتغيرات المناخية جعلت الكثير من المزارعين يعزفون عن الزراعة، ومع ذلك تبرز مبادرات ومشاريع بين الحين والآخر، تهدف إلى تمكين مستدام.
مشروع "الغد الأخضر " واحد من مشاريع التمكين الزراعي المستدام، استهدف المشروع منطقة برداد التابعة لمديرية صبر الموادم، وعمل المشروع على تدريب عشر أسر ريفية في المنطقة لإكساب المزارعات معرفة حول محصول السمسم والطرق الآمنة لزراعته.
"رغد وليد" قائد فريق المشروع، تقول في تصريحها لـ "الموقع بوست" بأن المشروع :" هدف إلى تمكين عشر نساء ريفيات في تعز من زراعة محصول السمسم الأسود، بهدف تحسين دخلهن المادي وتعزيز استقلالهن الاقتصادي، وركزت الفكرة على تقديم التدريب وتوفير الدعم الزراعي، وزيادة الإنتاج المحلي، لتقليل الإعتماد على الواردات".
تشير "رغد" إلى أن المشروع لم يحقق أهدافه بشكل كامل، نتيجة لعدة عوامل كتدهور المحصول نتيجة المخاطر الزراعية كالحشرات والآفات الزراعية، ناهيك عن سوء الأحوال البيئية وتغير المناخ والأمطار، وكل ذلك أثر بشكل مباشر على الإنتاجية وجودة المحصول، الأمر الذي أدى إلى نتائج أقل من المتوقع.
السمسم البلدي
السمسم، من المحاصيل الزراعية الموسمية، ينتمي إلى طائفة المحاصيل الزيتية التي تزرع بهدف الحصول منها على الزيت من البذور، يتروح فترة نموه من أربعة إلى خمس أشهر، يزرع في اليمن مرتين خلال العام، يزرع كمحصول منفردًا، أو تكميليًا مع محصول أخر كالذرة والدخن.
عن أهمية السمسم يقول المهندس الزراعي" محمد المقطري " بأن محصول السمسم كان يزرع بمساحات صغيرة وكمحصول تكميلي، وإنتاجيته بنسبة لا تكاد تذكر، ومع مرور الوقت انعدمت زراعة السمسم بشكل تام، إلى أن ظهرت خلال الأعوام 2022- 2024م تجارب أولى أعادت زراعة محصول السمسم.
عن قيمة السمسم يشير " المقطري " في تصريحه لـ "الموقع بوست" قوله: "للسمسم قيمة اقتصادية كبيرة، ويدخل في العديد من الصناعات الغذائية والعلاجية، ولا يتطلب جهدًا كبيرًا من المزارعين كغيره من المحاصيل من ناحية الخدمة والعنابة به، ولا يحتاج إلى ماء بكميات كثيرة".
"عبده البردادي" عاقل منقطة الغرس والزاهد، يقول بأن زراعة السمسم كان في وقت متأخر من العام، والمنطقة المستهدفة كانت تعاني من جفاف قبل الموسم، وعندما بدأنا في الزراعة واجهتنا صعوبات كثيرة، منها الآفات الزراعية التي أضرت بالمحصول بصورة كبيرة.
يضيف "البردادي" في تصريحه لـ"الموقع بوست" قوله:" تم توفير المبيدات اللازمة للتعامل مع الآفات والحشرات الزراعية، لكن المشكلة الأكبر التي واجهتنا كانت التغييرات المناخية والجفاف وتقلب الأمطار، كان ذلك عائقًا أمام المزارعات، لكن الجانب المشرق أن المزارعات تلقين تدريبًا حول طرق الزراعة، والموسم القادم سيبدأن الزراعة مبكرًا".
تبقى المرأة الريفية رائدة في الزراعة، فبحسب البنك الدولي فإن نحو ثلثي سكان اليمن يعتمدون على الزراعة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، حيث تشكل النساء حوالي 95% من القوى العاملة في الزراعة، لكن الأوضاع الاقتصادية المتدنية ألقت بظلالها على المزارعات وتأثرن بصورة كبيرة، لتأتي مبادرات تمكين تعيد للأرض خضرتها وللمرأة الريفية مكانتها.
أخبار متعلقة :