اليوم الجديد

بالفيديو | محطات من يوم المقاومة والتحرير.. ربع قرن على الانتصار وصمود الجنوب لا ينكسر

أحمد فرحات

في الخامس والعشرين من أيار عام 2000، شهد لبنان تحولًا مفصليًا في تاريخه المعاصر، تمثّل بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد احتلال استمر اثنين وعشرين عامًا، وذلك من دون أي قيد أو شرط أو اتفاق مسبق.

شكّل هذا الانسحاب سابقة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي، إذ مثّل أول انسحاب إسرائيلي من أرض عربية محتلة تحت ضغط المقاومة الشعبية والمسلّحة، دون أي مكاسب سياسية أو تفاوضية للعدو.

لم يكن هذا الحدث مجرد انتصار عسكري ميداني، بل حمل دلالات استراتيجية عميقة تمسّك بها الجنوبيون الذين تجذروا في أرضهم، وواجهوا المشروع الإسرائيلي القائم على التوسع والاحتلال، وأثبتوا فشل هذا المشروع في تحقيق أهدافه في لبنان. لقد رسّخ هذا الانتصار خيار المقاومة كخيار وحيد وفاعل وناجع في مواجهة الاحتلال، في وقت تخلّت فيه العديد من الأنظمة العربية عن هذا الخيار لصالح التسويات السياسية غير المجدية.

لقد عبّر الجنوبيون خلال سنوات الاحتلال عن أبهى صور الصمود والتمسك بالأرض، في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية التي مارست شتى أنواع الانتهاكات، من اعتقالات تعسفية، وتدمير للقرى والمنازل، ومحاولات دؤوبة لفرض التهجير القسري. ومع ذلك، بقي الجنوبيون في قراهم، يشكّلون حاضنة شعبية أساسية للمقاومة، وركيزة صلبة في معركة التحرير.

وفي لحظة الانسحاب، اندفعوا بجرأة إلى المناطق المحررة، مقتلعين الأسلاك الشائكة بأيديهم، ومؤكدين أن الأرض لا يحررها إلا أصحابها المؤمنون بها.

جدير بالذكر أن الأطماع الإسرائيلية في جنوب لبنان لم تبدأ مع الاجتياح عام 1982، بل تعود إلى عقود سابقة، وقد ارتبطت بأهداف أمنية واستراتيجية واقتصادية، من أبرزها السيطرة على مياه نهر الليطاني، وإنشاء منطقة عازلة لحماية المستوطنات الإسرائيلية في الجليل الأعلى. ولتحقيق هذه الأهداف، سعت “إسرائيل” إلى فرض سيطرتها عبر أدوات محلية، تمثلت في دعم ميليشيات تابعة لها، ومحاولات شراء أراضٍ في المناطق الحدودية عبر وسطاء.

وبعد الانسحاب، لم تنتهِ هذه المحاولات، إذ نشطت منظمات استيطانية متطرفة، مثل “أوري تسافون”، في الترويج لمشاريع تعتبر أن الحدود اللبنانية–الفلسطينية مجرد خطوط وهمية قابلة للتغيير.

لقد أثبتت تجربة المقاومة اللبنانية، وفي مقدمتها حزب الله، أن العمل المقاوم المسلّح هو السبيل المجدي لتحرير الأرض واستعادة الحقوق في ظل غياب إرادة دولية فاعلة لفرض تطبيق قرارات مجلس الأمن وإنهاء الاحتلال. فقد ألحقت المقاومة خسائر جسيمة بصفوف الجيش الإسرائيلي، وضربت منظومته العسكرية والاستخباراتية، ما اضطره إلى الانسحاب المهين دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة.

ومن هنا، فإن ذكرى التحرير لا تُختزل بمناسبة احتفالية وطنية، بل تُمثل لحظة مراجعة استراتيجية، تؤكد على تمسك الشعب اللبناني، وخاصة الجنوبيين، بأرضهم وحقهم في الدفاع عنها، وتُبرز في الوقت نفسه هشاشة المشروع الإسرائيلي وفشله في فرض وقائع دائمة على الأرض. كما تؤكد هذه الذكرى أن الشعوب التي تؤمن بحقوقها وتقاوم من أجلها، قادرة على فرض إرادتها وتحقيق النصر، مهما طالت سنوات الاحتلال.

وفي هذا العام، يحلّ عيد المقاومة والتحرير ممهورًا بأغلى التضحيات، إذ لا تزال آلة الاحتلال جاثمة على أجزاء من أرض الجنوب، التي ارتوت مجددًا بدماء ثلّة من المجاهدين والمقاومين الأبطال، خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي اندلعت أواخر عام 2023، واستمرّت على مدى ستة وستين يومًا متواصلة.

رغم حجم التضحيات الجسيمة التي قدّمتها المقاومة في حرب الإسناد لقطاع غزة منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تتراجع في أداء واجبها القومي والديني والإنساني، وقدّمت مئات الشهداء والجرحى، في طليعتهم القائدان الكبيران، الأمينان العامان لحزب الله، الشهيد السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، إلى جانب كوكبة من قادة الصف الأول في المقاومة، الذين شكّلت شهاداتهم حدثًا جللًا، لكنه لم يفلّ من عزيمة المقاومين، بل زادهم إصرارًا على مواصلة المواجهة.

ففي بلدات الخيام وعيتا الشعب ومارون الرأس، وغيرها من قرى الجنوب، خاض المقاومون أشرس المعارك ضد قوات الاحتلال، التي عمدت إلى تدمير هذه البلدات بالكامل، عجزًا عن كسر إرادة المقاومين وأهالي الجنوب الذين أثبتوا أنهم على العهد باقون، وعلى خط المقاومة سائرون.

بالفيديو | مشاهد إستقبال مدينة طرابلس الفيحاء وأبناء الشمال لغنائم النصر عام 2000

لقد تجسّدت هذه الإرادة الصلبة في مشهد الاندفاع الجماعي إلى القرى الحدودية مع انتهاء مهلة الستين يومًا لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، رغم بقاء الاحتلال، فسقط شهداء وجرحى على طريق التحرير، لكن الجنوبيين لم يتراجعوا، بل توّجوا هذا التحدي بوداع مهيب للقائدين الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في المدينة الرياضية ببيروت، وأصرّوا عشية الذكرى على العودة إلى بلداتهم، والمشاركة بكثافة في الانتخابات البلدية والاختيارية، وفاءً لدماء الشهداء.

وقد أسفرت هذه الانتخابات عن فوز ساحق للوائح “التنمية والوفاء” المدعومة من الثنائي الوطني، حزب الله وحركة أمل، في مختلف المناطق الجنوبية، رغم حملات التشويش الإعلامي والسياسي والتحريض المستمر على خيار المقاومة.

في الذكرى الخامسة والعشرين لهذا الانتصار التاريخي، تتطلع الإرادة الشعبية الجنوبية إلى استكمال تحرير ما تبقّى من الأرض المحتلة التي اغتصبها العدو أثناء فترة وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار القرى والمنازل التي دمّرتها الحرب، وهو مسار يتطلب من الدولة اللبنانية موقفًا حاسمًا، يضغط على الدول الراعية للاتفاق من أجل تنفيذ التزاماتها، وضمان تثبيت المواطنين في أرضهم، خصوصًا أن المقاومة قد التزمت بكل ما هو مطلوب منها في منطقة جنوب الليطاني، في مقابل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في خروقاته اليومية، والتي أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى.

المصدر: موقع المنار

أخبار متعلقة :