اليوم الجديد

عبداللطيف علما يكتب: كيف تعيد الشركات الناشئة رسم ملامح التجارة الإلكترونية بمصر؟

فى السنوات الأخيرة، أصبحت التجارة الإلكترونية فى مصر أكثر من مجرد وسيلة بديلة للتسوق، بل تحولت إلى قطاع حيوى يعبّر عن تحول أعمق فى سلوك المستهلك المصرى وفى البنية الاقتصادية الرقمية للدولة.

وبصفتى الرئيس التنفيذى لشركة جوميا مصر، المدير العام لـJumiaPay، أتيحت لى الفرصة لأكون شاهداً ومساهماً فى هذا التحول المتسارع.

هذا التحول لم يحدث صدفة؛ بل جاء نتيجة تضافر عوامل كثيرة، فى مقدمتها الانتشار السريع للإنترنت والهواتف الذكية، والتغير الواضح فى ثقافة المستهلك، والدعم الحكومى المتزايد للتحول الرقمى من خلال مبادرات كـ«مصر الرقمية» التى نراها اليوم تثمر بنية تحتية أكثر جاهزية، وخدمات إلكترونية أكثر كفاءة.

دور الحكومة ومبادرة «مصر الرقمية»

من المهم الإشارة إلى أن مبادرة «مصر الرقمية»، التى أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كانت من الخطوات المفصلية فى هذا الاتجاه.

المبادرة تسعى إلى تحويل مصر إلى مجتمع رقمى متكامل، وتوفير خدمات حكومية مميكنة، ودعم التعليم والتدريب الرقمى، وهو ما ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على تسهيل بيئة العمل للشركات الناشئة والمنصات الإلكترونية.

اقرأ أيضا: الاستقرار يفتح شهية الصناديق للمخاطرة بتمويل الشركات الناشئة

وتوفر الحكومة من خلال هذه المبادرة بنية تحتية معلوماتية قوية، مثل التوسع فى خدمات الإنترنت فائق السرعة، وربط القرى والمدن بالشبكات، وتوسيع منظومة الدفع الرقمى الحكومي.

هذا التقدم فى البنية الرقمية يهيئ مناخاً أكثر مرونة للشركات الناشئة ويساعدها فى الوصول إلى العملاء بسهولة وكفاءة.

دور البنك المركزى فى تمكين التكنولوجيا المالية

لا يمكن الحديث عن نمو التجارة الإلكترونية دون الإشارة إلى الدور البارز الذى يلعبه البنك المركزى المصرى فى تمكين التكنولوجيا المالية.

المبادرات المتعددة التى أطلقها البنك، مثل صندوق دعم الابتكار، وإستراتيجية الشمول المالى، وتحديث الأطر القانونية للدفع الإلكترونى، كلها خطوات ساعدت على خلق بيئة أكثر دعماً لرواد الأعمال وشركات الفينتك.

أيضاً، شجع البنك المركزى على نشر ثقافة المحافظ الإلكترونية والدفع عبر الهاتف المحمول، وهو ما أسهم فى زيادة الثقة بين المستهلكين فى العمليات الرقمية، وساعدنا فى JumiaPay على توسيع قاعدة المستخدمين وتعزيز تجاربهم الشرائية.

التحديات: لوجستيات وثقة ومنافسة

وعلى الرغم من هذا الزخم فى الدعم الحكومي، فإنَّ الواقع يقول: إنَّ هناك طريقاً طويلاً علينا أن نقطعه.

لا تزال ثمة فجوة فى الثقة تجاه الدفع الإلكترونى، ولا تزال التحديات اللوجستية قائمة، خاصة فى المناطق الريفية والبعيدة، حيث يصعب على بعض الشركات توصيل المنتجات فى الوقت المناسب أو بتكلفة مناسبة.

كما أن المنافسة فى السوق أصبحت أكثر شراسة، فى ظل دخول لاعبين محليين وإقليميين ودوليين جدد.

هذا الأمر يفرض على الشركات الناشئة أن تكون أكثر ابتكاراً، وأن تركز على تقديم قيمة مضافة حقيقية للعميل المصري.

الشركات الناشئة: نبض القطاع وروحه

فى «جوميا»، نعمل على تمكين رواد الأعمال وتوفير بيئة حاضنة لهم؛ لأننا نؤمن أن الابتكار الحقيقى يأتى من فهم السوق المحلي، واستخدام أدوات تكنولوجية متطورة بطريقة تلائم الواقع المصرى.

لا يكفى أن تنقل نموذجاً أجنبياً وتطبقه؛ بل يجب أن تبتكر نموذجاً نابعاً من البيئة المحلية، يخاطب ثقافة المستهلك المصري، ويتعامل بمرونة مع تحديات السوق.

الشركات الناشئة هى الأقرب لفهم نبض المستهلك، والأسرع فى التكيُّف مع المتغيرات. لهذا، هى ليست فقط جزءاً من السوق، بل هى وقوده الأساسى.

الذكاء الاصطناعى: من الرفاهية إلى الضرورة

أؤمن شخصياً بأن الذكاء الاصطناعى سيكون له دور حاسم فى المرحلة القادمة، فى جوميا، نستخدمه لتحسين توصيات المنتجات، وتطوير الخدمات اللوجستية، ومكافحة الاحتيال.

لكنه أيضاً أداة مهمة فى تحليل بيانات المستخدمين وفهم أنماطهم، مما يسمح لنا بتقديم تجربة أكثر تخصيصاً وكفاءة.

بالنسبة للشركات الناشئة، فإن استخدام الذكاء الاصطناعى وتحليلات البيانات لم يعد خياراً؛ بل ضرورة لمواكبة تطلعات العملاء وتقديم تجارب أكثر سلاسة وذكاءً.

مقترحات لبيئة تشجيعية أكثر دعماً

ولكى تواصل مصر طريقها نحو ريادة إقليمية فى التجارة الإلكترونية، أطرح بعض التوصيات التى يمكن أن تخلق بيئة أكثر تحفيزاً للشركات الناشئة.

أولاً: تحسين البيئة التشريعية:

من خلال تحديث القوانين المرتبطة بالتجارة الإلكترونية، مثل قانون حماية البيانات الشخصية، وقانون التجارة الرقمية، بما يوفر وضوحاً وثقة لكل من الشركات والمستهلكين.

ثانيا: تحفيز الابتكار المحلي:

عبر منح تمويلات أولية للشركات الناشئة فى مراحلها المبكرة، وتوسيع نطاق حاضنات ومسرّعات الأعمال بالتعاون مع القطاع الخاص.

ثالثا: دعم التوسع فى المحافظ الرقمية:

وتشجيع البنوك والمؤسسات المالية على تطوير حلول دفع مرنة وآمنة، لتوسيع قاعدة المستخدمين.

رابعاً: ربط الريف بالحلول الرقمية: من خلال توفير بنية تحتية قوية فى المحافظات والمناطق النائية، وتحفيز الشركات الناشئة على تقديم خدمات مخصصة لتلك المناطق.

خامساً: إطلاق حملات توعوية:

لرفع وعى المستخدمين بأمان الدفع الإلكترونى، وثقافة التسوق الرقمى، وهى خطوة ضرورية لبناء الثقة وتوسيع قاعدة السوق.

نحو منظومة متكاملة لكن تبقى الرسالة الأهم

إذا أردنا حقاً أن نحول التجارة الإلكترونية إلى قاطرة للنمو الاقتصادي، فعلينا أن نخلق منظومة متكاملة.هذه المنظومة تشمل: شركات قادرة على الابتكار، وحكومة توفر بنية تحتية رقمية متينة، وكذلك بيئة قانونية تحمى المستهلك وتشجع الاستثمار، ومستهلك واعٍ يعرف حقوقه ويفهم أدوات التكنولوجيا.

ختاماً: الفرصة ما زالت أمامنا، أنا متفائل؛ فمصر تملك طاقات بشرية هائلة، وسوقاً ضخماً، وموقعاً جغرافياً إستراتيجياً.

إذا استثمرنا جيداً فى التكنولوجيا، وسهلنا حياة الناس، وعززنا الثقة، فأنا على يقين أن مصر ستكون واحدة من القوى الرقمية الرائدة فى المنطقة.

المستقبل ليس بعيداً؛ بل يُبنى الآن على أيدى الشركات الناشئة، ورواد الأعمال، وصناع القرار، الذين يؤمنون بأن التكنولوجيا ليست رفاهية، بل أداة للنهوض الاقتصادى والاجتماعي.

بقلم: بقلم: عبداللطيف علما، الرئيس التنفيذى لشركة جوميا مصر، المدير العام لمجموعة JumiaPay رئيس مجلس أمناء T20

أخبار متعلقة :