إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
نحن لا نعبد مريم العذراء، بل نكرّمها... ولا نعبد إلا الله.
انها المختارة بين النساء...
انها المصطفاة بين جميع نساء العالمين...
انها المباركة بين النساء...
انها المملوءة نعماً وكنز البركات وجزّة جدعون...
انها ام الله وام يسوع المسيح...
انها التي حبل بها من دون الخطيئة الاصلية...
انها وردة الشارون وتابوت العهد...
انها باب السماء...
انها كرسي الحكمة... سلم يعقوب...
انها ام المعونة الدائمة والرحمة الالهية...
انها حارسة الابواب وجميلة كلبنان...
انها سيدة لبنان وارزة لبنان...
انها سيدة الجنوب، سيدة البشارة ومغدوشة وجبل عامل...
انها سيدة البقاع وزيتون البقاع...
انها شجرة الدلب على المياه كما يقول سفر الحكمة...
انها سيدة الحصن وسيدة مزيارة...
انها سيدة الشنبوق وسيدة الغسّالة في عكار...
انها سيدة الحدود، دير سيدة القلعة، منجز من الشمال الى الجنوب الى الوادي المقدس في قنوبين، من الشرق الى الغرب، من السهل سهل البقاع وزحلة، وسيدة الشبانية المنمّشة الوجه الفريدة في تاريخ الفن الإيكونوغرافي، انها سيدة بشوات حامية السهل والجرد والجبال والنساء والرجال.
انها سيدتي وحاميتي، اليها التجئ في كل لحظات حياتي السهلة والصعبة، هي ومار شربل انقذاني من الموت وساعات المرض الحرجة والشديدة، أمي العذراء حمتني وانقذتني من الموت مرارًا، وايقونتها في عنقي.
الملاك جبرائيل يبشرها: "السلام عليكِ يا مريم"... يلقي عليها التحية وهي لا تعرف هذا الغريب ولا اي معنى لسلامه. تفاجأت لكنه هدّأ روعها قائلاً: "مباركة انت بين النساء... ها انت تحبلين وتلدين مخلص العالم المسيح المنتظر". فازداد اضطرابها وتعجبها وقالت: "كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلاً"، وكانت قد نذرت عذريتها للرب، وهي تعيش مكرسة نفسها لله في الهيكل منذ طفولتها. فقال لها الملاك: "لا تخافي يا مريم"، وسمّاها باسمها لأنها هي المختارة والمصطفاة: "ها ان الروح القدس يحل عليك، والمولود منكِ هو من الروح القدس وابن الله يدعى... وهو المسيح المنتظر فادي ومخلص العالم". فقالت مريم: "ها انا امة الرب... فليكن لي حسب قولكَ". وكان خلاص البشرية، لكنها كانت تنتظر ان تقول مريم نعم، وكما يقول القديس برناردوس عنها، هي مليئة بالانتظار قولي نعم! فقالت مريم "نعم".
وكان الخلاص، فتغير وجه الكون وتاريخ الانسان والبشرية، وابتدأ زمن المحبة والرحمة واللطف، والرقة والمغفرة والحنان والكرم، والدفء والمصالحة والمسامحة، والتعاضد والانقسام والمشاركة والمسؤولية عن الذات والآخرين، ورفض اللامبالاة والحقد والكراهية.
الحالة القايينية انتهت والاخوة الانسانية ابتدأت. انتهى البغض والغضب وقساوة القلب، ووحشية الاحساس والعاطفة وذئبيّة العلاقة الانسانية، ومقولة العين بالعين والسن بالسن، بل وأصبحت "من أبغض اخاه الذي يراه وهو يقول انه يحب الله الذي لا يراه فهو كاذب"، ومن لم يطعم جاعًا، ولم يسقِ عطشاناً، ولم يُكسِ عرياناً ، ولم يزر مريضاً او سجيناً، ولم يأوِ مشرداً او غريباً، فهو لم يفعل ذلك مع يسوع المسيح ذاته.
وكما يقول القديسان باسيليوس ويوحنا فم الذهب "الرغيف الذي تحتفظ فيه لنفسك، والثوب في خزائنك، والحذاء في غرفتك، فانت سارق".
وكما تقول الرسائل البابوية والتعاليم المجمعية: الارض بيتنا جميعاً، والفائض من الخير هو حقنا جميعاً، وطيور السماء يرزقها الله، ودودة الصخر يطعمها الرب، وهو يكسو الحقول جمالاً للنظر.
فقد ابتدأ زمن الثورة الانتروبولجية الوتيولوجية والانسانية الوسياسية والاقتصادية والجمالية والقيميّة والسلوكية الجديدة. قيمة المرأة وقيمة الانسان تبدلت. وانتهى زمن الذئبيّة (Loup) والثعابين والحيّات الانسانية اللاذعة والسامة(Vipere) ، وفاض القلب واللسان عسلاً ورقة ولطفا وحنانا وحقاً.
في النهاية مع النعم المريمية ابتدأت انتربولوجية وانسانية وتيولوجية وفيلوكاليا وجمالية جديدة، لان الجمال سيخلص العالم كما يقول دوستيوفسكي، وجميلة جميلات العالم هي مريم، لذلك انشد لها الموارنة: "كلك جميلة يا مريم".
أخبار متعلقة :