مصادر الطاقة المتجددة تتمتع بميزة دفاعية ضد تقلبات أسواق الطاقة العالمية
تبدي مجموعات الطاقة النظيفة في الأمريكيتين، تفاؤلاً حيال آفاق نموها، حتى في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة عن عدد من التزاماتها المناخية وتضاعف دعمها لصناعة النفط والغاز المحلية.
قال محللون إن الطلب الاستهلاكي والموارد الطبيعية الوفيرة وتنافسية الأسعار ستُبقي السوق مزدهرة، لاسيما جنوب الحدود الأمريكية.
وساعدت التنظيمات المشجعة، إلى جانب الحوافز الضريبية وانخفاض تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة، على تسريع نمو القطاع في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء الأمريكيتين.
وفي الولايات المتحدة، تضاعفت قدرة توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية أكثر من ثلاث مرات خلال العقد الماضي، ليصبح المصدران الخاليان من الانبعاثات ( الرياح والشمس) هما أسرع مصادر الكهرباء نمواً في البلاد.
ويغذي هذا الزخم وجود مشاريع كبيرة قيد التنفيذ في المنطقة، مما يوفر درعاً ضد أي تباطؤ مفاجئ في الاستثمارات الأمريكية، بحسب باولو مورايس، المدير التنفيذي لشركة “بيرز” البرازيلية للاستشارات، التي تعمل في عدة قطاعات سريعة النمو بما في ذلك الطاقة المتجددة.
يرتكز التفاؤل في هذه الصناعة على قناعة راسخة بأن أساسيات اقتصاديات الطاقة المتجددة أصبحت تنافس الوقود التقليدي بشكل مباشر، مما يجعل تقنيات مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية جذابة للمستهلكين بغض النظر عن ميولهم السياسية، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وقال مورايس إن “هناك كثير من التفاؤل”، مضيفاً أن “الطاقة الشمسية تواصل نموها، مدفوعة بتبني المستهلكين من الأفراد والشركات الراغبين في تقليل تكاليف الكهرباء”.
تعد شركة “سولار لاندسكيب” من بين الشركات التي تستفيد من هذا التغير في أساسيات الطاقة المتجددة.
فقد توسعت الشركة، ومقرها نيوجيرسي، خلال السنوات الخمس الماضية لتلبية الطلب على تأجير أسطح المباني التجارية والصناعية لمشاريع توليد الطاقة الشمسية الصغيرة.
وقال الرئيس التنفيذي شون كيجان: “في البداية، لم يرَ الجميع الفرصة كما رأيناها نحن، لكن أصبحنا الآن أكبر شركة في مجال الطاقة الشمسية على أسطح المباني التجارية في البلاد”.
وقد حققت الشركة، التي تأسست عام 2012 كمقاول لتركيب الألواح الكهروضوئية في المنازل الأمريكية الجديدة، معدل نمو سنوي مركب بلغ 28.4% خلال الفترة التي تم تقييمها، وقفزت إيراداتها إلى 100 مليون دولار، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.
وأسهم انخفاض تكلفة أنظمة الطاقة الشمسية التجارية، التي أصبحت الآن أقل من ثلث أسعارها في عام 2010، في دعم هذا الطلب.
مع ذلك، ينسب كيجان الفضل أيضاً إلى التغيرات التنظيمية في عدة ولايات أمريكية في تسريع نمو أعماله.
وبموجب القوانين الجديدة، أصبح من الممكن بيع الكهرباء المولدة من الأسطح المؤجرة مباشرة إلى الشبكة العامة بدلاً من اقتصار استخدامها على المبنى ذاته.
“مينلو إليكتريك” تتصدر تصنيف “فاينانشيال تايمز” كأسرع الشركات نمواً في أوروبا
وفي أوروبا أيضاً، استفادت مجموعات الطاقة الشمسية من الاعتماد السريع على مصادر الطاقة المتجددة.
فقد تصدرت شركة “مينلو إليكتريك”، المزود البولندي للألواح الكهروضوئية، تصنيف “فاينانشيال تايمز” لعام 2025 كأسرع الشركات نمواً في أوروبا.
وفي كولومبيا، تسهم قوانين قديمة تُعفي معدات وخدمات الطاقة المتجددة من ضريبة القيمة المضافة في تعزيز النمو، إذ من المتوقع أن تزيد قدرة الطاقة النظيفة بنسبة 36% هذا العام، بفضل استثمارات جماعية تقارب 500 مليون دولار في 19 مشروعاً جديداً.
ومن المنتظر أن تأتي نحو نصف الزيادة البالغة 610 ميغاواط من محطتين كبيرتين للطاقة الشمسية في بلديتي جواواس وباراتيبينو القريبتين من العاصمة بوجوتا.
وقالت المديرة العامة لموزع الألواح الشمسية “جروب سولير” في كولومبيا، كاتالينا بالاسيوس، إن “تنافسية أسعار الطاقة الشمسية تجعل الكهرباء النظيفة متاحة أكثر فأكثر للمستهلكين”.
وأضافت أن مبيعات الشركة قد تضاعفت تقريباً كل عام منذ دخولها السوق قبل نحو عقد من الزمن، حيث توظف 60 شخصاً، وقد توسعت إلى أمريكا الوسطى ودولة الإكوادور المجاورة.
وأشارت بالاسيوس، إلى أن أمن الطاقة يمثل عاملاً مهماً آخر. فضعف البنية التحتية الوطنية في أسواق صغيرة مثل منطقة البحر الكاريبي جعل انقطاع التيار الكهربائي مشكلة مزمنة، وحتى في الدول ذات الشبكات الأقوى، فإن احتمالية تعطل واردات الطاقة تثير القلق بشأن الأمن.
ونظراً لاعتمادها على مصادر محلية مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، تتمتع مصادر الطاقة المتجددة بميزة دفاعية ضد تقلبات أسواق الطاقة العالمية.
وقالت بالاسيوس: “لا تؤثر هذه الاضطرابات الخارجية على الأشخاص الذين يستخدمون الألواح الشمسية الكهروضوئية”، مضيفة: “توليد الكهرباء في الموقع يمنح الجميع ثقة أكبر”.
حتى الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الوقود الأحفوري مثل المكسيك وكندا والأرجنتين والبرازيل لا تزال تعتمد إلى حد ما على واردات الطاقة لتوليد الكهرباء.
فعلى سبيل المثال، يأتي نحو نصف مزيج الطاقة في المكسيك من الغاز الطبيعي، الذي يتم تلبية أكثر من ثلثي احتياجاته من خلال الواردات الأميركية في الأعوام الأخيرة.
وتزداد جاذبية الطاقة المتجددة كمصدر للكهرباء النظيفة والرخيصة والآمنة بين الشركات، التي تستخدم اتفاقيات شراء طويلة الأجل لتأمين احتياجاتها من الطاقة الخضراء.
وأظهرت دراسة استقصائية أجرتها شركة “سافانتا” على قادة الأعمال في 15 دولة، أن 70% من قادة الأعمال في المكسيك والولايات المتحدة يفضلون أن تستثمر حكوماتهم في مصادر الطاقة المتجددة بدلاً من الوقود الأحفوري عند تطوير منشآت توليد طاقة جديدة.
وفي أمريكا اللاتينية، يعتبر الوصول إلى الكهرباء النظيفة عاملاً رئيسياً في اتخاذ القرار، إذ أظهرت الدراسة أن أكثر من تسعة من كل عشرة مديرين تنفيذيين في المكسيك والبرازيل يأخذون هذه المسألة في الحسبان عند تحديد مواقع عملياتهم وسلاسل التوريد.
وتولد البرازيل نحو ثلاثة أخماس كهربائها من الطاقة الكهرومائية، كما أضافت شركة “إنل” الإيطالية في عام 2023 نحو 900 ميجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية هناك، مع وجود 1,153 ميجاوات إضافية قيد الإنشاء.
وتتوقع استراتيجية “إنل” للفترة 2024-2026 أن يبلغ إجمالي الإنفاق الرأسمالي في البرازيل 3.7 مليارات دولار، بزيادة قدرها 45% مقارنة بخطتها السابقة.
وقال مورايش إن “دورة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للطاقة المتجددة التي بدأت قبل سنوات لا تزال بعيدة عن نقطة التشبع”.
لكنه أشار إلى أن شركات الطاقة النظيفة التي تصدر الطاقة المتجددة مباشرة إلى الولايات المتحدة، مثل منتجي الهيدروجين الأخضر والإيثانول من الجيل الثاني، قد تواجه تحديات إضافية.
مع ذلك، من المتوقع أن يدعم الطلب المحلي النمو.
ففي البرازيل، على سبيل المثال، يولد السوق المحلي للوقود الحيوي المستخدم في وسائل النقل عوائد سنوية تزيد عن 15 مليار دولار.
وبمعدلات نمو متوقعة لا تقل عن 9% خلال العقد المقبل، تجد شركات مثل “بيناتشورال” المصنعة للديزل الحيوي سوقاً جاهزة للإنتاج البالغ 600 مليون لتر سنوياً في مصنعيها الرئيسيين في ولايتي باهيا وجوياس.
وتعد التقنيات المتطورة مثل تخزين البطاريات بوابة لفرص جديدة. فشركة “ويست إنجينيرينج”، ومقرها بوجوتا، دخلت في مفاوضات أولية مع شركة ألمانية متخصصة في صناعة المحللات الكهربائية لبحث إدخال تقنيات جديدة للطاقة الهيدروجينية إلى كولومبيا.
وقال خوان هويوس، مهندس العمليات في “ويست إنجينيرينج”: “هناك الكثير من الدفع نحو تنفيذ مشاريع جديدة في مجال الهيدروجين والطاقة المتجددة في كولومبيا”.
أما في الولايات المتحدة، فتشير تقديرات رابطة صناعات الطاقة الشمسية إلى أن منشآت الطاقة الشمسية الجديدة قد تتراجع بنسبة تصل إلى 25% خلال السنوات المقبلة إذا تم إنهاء الحوافز الحكومية مبكراً.
ومع ذلك، لا تزال أبيجيل روس هوبر، الرئيسة التنفيذية للرابطة، متفائلة، قائلة: “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح بشكل واضح أنه يحب الطاقة الشمسية”.
وأضافت: “لقد نما قطاع الطاقة الشمسية بنسبة 128% خلال فترة ولايته الأولى، وسيواصل النمو خلال السنوات الأربع المقبلة”.
أخبار متعلقة :