الصين وأميركا.. حرب باردة في معادن ساخنة

sky news arabia 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصين وأميركا.. حرب باردة في معادن ساخنة, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 06:36 صباحاً

ورغم الهدنة التجارية التي جرى التوصل إليها مؤخرًا في جنيف بين أكبر اقتصادين في العالم، إلا أن تصريحات وتحركات الطرفين، لا سيما في ملف المعادن النادرة، تعكس واقعًا هشًا ينذر بانفجار قريب.

المعادن النادرة... المخزون الصيني والورقة الرابحة

تمتلك الصين نحو 50 بالمئة من احتياطي العالم من المعادن النادرة، وتنتج ما يزيد عن 60 بالمئة من مجمل الإنتاج العالمي، بينما تعتمد الولايات المتحدة على بكين في تغطية نحو 70 بالمئة من حاجتها من هذه المواد الحيوية. هذا الواقع يمنح الصين ورقة ضغط استراتيجية، وهو ما استعرضه بإسهاب أنطوني ساسين، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة "Kraneshares"، خلال حديثه إلى برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية.

يقول ساسين: "المعادن النادرة سلاح تستخدمه الصين لتدفع الولايات المتحدة إلى المسار الذي تريده. هي قادرة في أي وقت على فتح أو إغلاق الصادرات، وهذا يعطيها نفوذاً تفاوضياً بالغ القوة". هذه التصريحات لا تُفهم إلا ضمن سياق ديناميكية العلاقات بين القوتين، حيث تتقاطع المصالح الاستراتيجية مع المصالح الصناعية والتكنولوجية.

هدنة هشة ومفاوضات مضطربة

عقب توقيع الهدنة المؤقتة في جنيف لمدة 90 يومًا، والتي هدفت إلى تهدئة التصعيد وفتح قنوات تفاوض جديدة، بدأت الشكوك تتصاعد بشأن استمراريتها. ساسين يرى أن "الهدنة تتضعضع شيئاً فشيئاً، لكنها في ذات الوقت تُظهر التعقيد العميق في العلاقة بين البلدين". ويضيف أن المفاوضات لا تعني بالضرورة تقارباً استراتيجياً، بل مجرد تنظيم للاشتباك الدبلوماسي والتجاري.

ويشير ساسين إلى أن النقاط الخلافية بين الطرفين لا تزال قائمة، لا سيما ملف الذكاء الاصطناعي وتايوان والدفاع، وهي قضايا "لن تُحل بسهولة وربما لن تُحل أبداً"، على حد تعبيره. ويبدو أن المعادن النادرة أصبحت في قلب هذا الاشتباك، خاصة بعد إعلان الصين عن قيود على تصدير سبعة من أهم هذه المعادن.

الرد الأميركي: تحفيزات اقتصادية وبدائل محدودة

في مواجهة هذه الخطوة الصينية، اتجهت الولايات المتحدة إلى إقرار حزم تحفيزية هائلة، خاصة في قطاع الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، في محاولة لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية. ويعلق ساسين: "أميركا بدأت بإعداد حزم تحفيز ضخمة منذ سبتمبر 2024، حتى قبل وصول ترامب، لكن هذه الحزم لن تكون كافية على المدى القصير لتعويض الفجوة مع الصين".

وتبقى مشكلة التضخم في الداخل الأميركي عائقاً رئيسياً أمام أي تحرك اقتصادي كبير، إذ أن رفع الفائدة واستمرار الضغوط التضخمية تضعف من قدرة المستهلك الأميركي، كما تضع الإدارة الاقتصادية أمام تحديات سياسية، لا سيما مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي.

ثلاثة أسلحة صينية ضد ترامب: من المعادن إلى المزارعين

يشير تقرير سكاي نيوز عربية إلى أن الصين استخدمت ثلاثة أسلحة رئيسية في مواجهتها مع إدارة ترامب:

  • المعادن النادرة: فرضت بكين قيوداً على تصديرها، ما أثار قلق الصناعات الأميركية من الدفاع إلى الإلكترونيات.
  • ضرب القاعدة الزراعية الأميركية: عبر وقف استيراد منتجات مثل فول الصويا والذرة واللحوم، ما شكل ضغطاً على قاعدة ترامب الانتخابية.
  • توسيع العلاقات التجارية الدولية: إذ أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لـ60 دولة، مقابل 30 فقط لأميركا، ما عزز مكانة بكين في التجارة العالمية.

ويعلق ساسين على هذه النقطة بالقول: "الصين لم تعد بحاجة لأميركا كما كانت سابقاً. لقد تنوعت شراكاتها وتوسعت استثماراتها، وهذا يمنحها قدرة أكبر على الصمود والمناورة".

السيارات الكهربائية: ساحة معركة جديدة

واحدة من أكثر القطاعات تأثراً بتوتر العلاقات بين البلدين هو قطاع السيارات الكهربائية، الذي يعتمد بشكل كبير على المعادن النادرة والبطاريات. وقد شهد هذا القطاع في الأشهر الماضية حالة من التذبذب الحاد في الأسعار والمبيعات.
يقول ساسين: "القطاع مر بفترة نمو قوية بعد حزمة التحفيزات، لكننا اليوم نرى تباطؤاً واضحاً. بعض الشركات مثل BYD الصينية استطاعت الصمود عبر تخفيض الأسعار بنحو 30-35 بالمئة، لكن هناك مخاوف من حرب أسعار جديدة تضرب السوق".
ويضيف أن شركات مثل تسلا تواجه صعوبات في طرح منتجات جديدة، بينما شركات صينية مثل Xpeng وNIO بدأت تحقق اختراقات في الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية، ما يضع الشركات الأميركية في موقف صعب.

الصلب والألمنيوم: تعريفات ترفع تكلفة الصناعة

قرار الصين الأخير بفرض رسوم على صادرات الصلب والألمنيوم كان له أثر مباشر على تكلفة السيارات والإلكترونيات في السوق الأميركية. ويشير ساسين إلى أن هذه الرسوم قد تزيد تكلفة السيارات بنسبة تتراوح بين 3 إلى 5 بالمئة، ما يعني مزيداً من الضغط على المستهلك الأميركي الذي يعاني أصلاً من معدلات تضخم مرتفعة.

ويضيف: "ترامب يضغط من أجل إظهار أن التضخم سببه إدارة بايدن، لكن الحقيقة أن هذه الضغوط نتيجة سياسة مواجهة اقتصادية معقدة مع الصين، والتي لن تنتهي بقرار سياسي بسيط".

اليوان الصيني... تصاعد الثقة والتوقعات الاستثمارية

على صعيد العملات، يشير ساسين إلى أن أداء اليوان الصيني في تحسن مستمر، مدفوعاً بنمو اقتصادي ثابت وشراكات دولية ناجحة. ويقول: "اليوان قد يتفوق على الدولار خلال 5 إلى 7 سنوات إذا استمرت الصين بهذا النمو. نحن نرى تدفقات استثمارية متزايدة نحو السوق الصينية، خاصة مع تحركات شركات مثل علي بابا".

ويرى أن تحسن اليوان يعني المزيد من الاستقلالية الاقتصادية للصين، وتراجع الاعتماد على الدولار في التجارة العالمية، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الصينية طويلة المدى.

العلاقات الأميركية الصينية... شراكة قسرية لا انفصام فيها

رغم كل التوترات، يجمع المراقبون، ومن بينهم ساسين، على أن واشنطن وبكين لن تنفصلا اقتصادياً بشكل كامل. "البلدان يعلمان أنهما بحاجة لبعضهما البعض. حتى في ظل النزاعات، هناك إدراك متبادل للترابط بين الاقتصادين"، يقول ساسين.
لكن ساسين في الوقت ذاته يحذر من أن "قضايا مثل الذكاء الاصطناعي، الدفاع، وتايوان ستظل خطوطاً حمراء تمنع الوصول إلى مصالحة شاملة". ويرى أن التفاوض سيظل الشكل الأساسي للعلاقة، دون أن يعني ذلك الوصول إلى حلول حقيقية.

الصين تقود والعالم يتابع

في نهاية المطاف، تقف الولايات المتحدة والصين أمام مفترق طرق في علاقتهما التجارية. المعادن النادرة ليست سوى عنوان بارز لواقع أعقد من مجرد تبادل تجاري؛ إنه صراع إرادات، وقوة اقتصادية، وهيمنة جيوسياسية. تصريحات أنطوني ساسين تضيء على هذه الزوايا المخفية، وتكشف أن العالم مقبل على مرحلة جديدة من الحرب التجارية، حيث لا تعود الرسوم الجمركية وحدها هي السلاح، بل الموارد الحيوية، وسلاسل الإمداد، والتحالفات العالمية.

ربما لا تُقرع طبول الحرب بعد، لكن رنينها بات مسموعاً في أروقة الاقتصاد العالمي، و"الهدنة" تبدو أقرب إلى استراحة محارب منها إلى اتفاق سلام دائم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق