أسهم أوروبا تهيمن على المكاسب العالمية في ظل تأثيرات رسوم ترامب

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

برزت أسهم أوروبا ضمن قائمة الرابحين عالمياً مع تحسن التوقعات الاقتصادية للمنطقة في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق المالية الأمريكية جراء الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترامب.

بعد خمسة أشهر من بداية العام، تضم أوروبا ثمانية من أفضل 10 أسواق أسهم أداءً في العالم، وفقًا لبيانات جمعتها بلومبرج. وتضم هذه القائمة مؤشر “داكس” الألماني الذي حقق ارتفاعاً بأكثر من 30% بالدولار، بالإضافة إلى أسواق أخرى أقل مركزية مثل سلوفينيا وبولندا واليونان والمجر.

يتفوق مؤشر “ستوكس 600” الأوروبي على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) بفارق قياسي بلغ 18 نقطة مئوية بالدولار، مدعوماً بخطط الإنفاق المالي التاريخي لألمانيا وقوة اليورو. يقول المشاركون في السوق إن هناك المزيد من العوامل الإيجابية في المستقبل، إذ تجعل الأرباح القوية للشركات والتقييمات الجذابة المنطقة رهاناً أكثر أماناً في ظل سيطرة المخاوف بشأن التجارة وديون الميزانية على الاقتصاد الأمريكي.

“عادت أوروبا إلى الواجهة”، بحسب فريدريك كاريير، رئيسة استراتيجية الاستثمار في الجزر البريطانية وآسيا لدى “آر بي سي ويلث مانجمنت” (RBC Wealth Management). وأضافت: “نتلقى المزيد من الأسئلة حول أوروبا خلال الشهرين الماضيين مقارنةً بما تلقيناه خلال السنوات العشر الماضية”.

إذا استمر الأداء المتفوق، فسيُمثل تحولاً من سنوات الركود في الأسواق الأوروبية. وقد يغذى هذا الارتفاع نفسه: فمع ارتفاع أسعار الأسهم في القارة، من المرجح أن تجذب أصولاً جديدة من جميع أنحاء العالم، وفقاً للمستثمرين المراهنين على ارتفاع سوق الأسهم.

قال محللو مجموعة “يو بي إس” في مذكرة حديثة إن تحول المستثمرين عن الأصول الأميركية سيُوجه 1.2 تريليون يورو (1.4 تريليون دولار) إلى سوق الأسهم الأوروبية خلال السنوات الخمس المقبلة.

مكاسب هذا العام تلقت دفعة في وقت مبكر من مقترح برلين -المعروفة بتقشفها المالي- بإنفاق مئات المليارات من اليورو على البنية التحتية والدفاع. ويتوقع اقتصاديون في “سيتي غروب” أن يعزز هذا الإصلاح النمو بأنحاء منطقة اليورو اعتباراً من النصف الثاني من 2026.

الأنظار على الركود في أمريكا

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، عاد المستثمرون مجدداً لمراقبة احتمالات الركود، وسط مخاوف من التضخم وعجز الميزانية الأمريكية. تضررت المعنويات تجاه سندات الخزانة الأميركية في مايو بعدما جردت “موديز” الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني الممتاز، بينما قفزت عوائد السندات أيضاً بسبب مقترحات ترمب لخفض الضرائب.

وفي ضربة لأجندة ترامب التجارية، أصدرت محكمة أميركية حكماً نادراً بوقف كثير من الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس بفرضها أو فرضها بالفعل على شركاء تجاريين رئيسيين. كما يثير إجراء ضريبي مقترح يثير القلق في “وول ستريت” إذ من شأنه أن يرفع معدلات الضرائب على الأفراد والشركات من دول ذات سياسات ضريبية “تمييزية”، مما قد يؤدي لعزوف المستثمرين الأجانب.

“S&P 500” متأخر رغم التعافي

رغم تعافي مؤشر “إس آند بي 500” خلال مايو، فلا يزال متأخراً عن الأسواق الأخرى هذا العام. وارتفع المؤشر حوالي 0.5% فحسب منذ بداية العام مقارنةً مع قفزة بنسبة 12% لمؤشر “إم إس سي آي” العالمي (MSCI All-Country World Index) الذي يشمل جميع الدول عدا الولايات المتحدة. كما يحتل المرتبة 73 بين 92 مؤشراً تتابعها “بلومبرغ”.

اعتبرت بياتا مانثي، رئيسة استراتيجية الأسهم الأوروبية والعالمية في “سيتي غروب”، أن منطقة اليورو في “وضع جيد نسبياً” إذ لدى البنك المركزي الأوروبي مجال لمزيد من الخفض في أسعار الفائدة، في ظل عدم المبالغة بتقييمات الأسهم.

“بالطبع إذا حدث ركود في الولايات المتحدة، فلن يمر ذلك دون خسائر لأي سوق، لكن عدم وجود حماسة مفرطة في أوروبا يجعلها أكثر قدرة على الصمود أمام موجة بيع أكبر” بحسب مانثي، التي أضافت: “تجنب المستثمرون المنطقة لفترة طويلة لدرجة أن التدفقات الداخلة لا تزال ضئيلة مقارنة مع تلك التي خرجت في السنوات القليلة الماضية”.

الأسواق غير الرئيسية الرابحة

تهيمن مجموعة من الأسواق الأوروبية الأصغر حجماً على قوائم الأسواق المتصدرة هذا العام. يُعد مؤشر “إس بي آي توب” (SBI TOP) للأسهم القيادية في سلوفينيا ثاني أفضل مؤشر أداءً على مستوى العالم، حيث ارتفع بنسبة 42% بالدولار، ليأتي بعد مؤشر غانا القياسي. وارتفع مؤشر “دبليو آي جي 20” (WIG20) البولندي بنسبة 40%، بينما ارتفعت المؤشرات المعيارية في اليونان والمجر بأكثر من 34% بكلا البلدين.

أوصى الاستراتيجيون في بنك “سوسيتيه جنرال” بالاستثمار في الأسواق غير الرئيسية بأوروبا هذا العام، مشيرين إلى ارتفاع علاوة المخاطرة، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي النسبي. ويواصل الفريق توقع أداء متفوق، حيث يتوقعون أن تمنح عوائد السندات السيادية حمايةً أكبر من عوائد بعض الدول ذات الإنفاق الكبير مثل فرنسا وألمانيا.

كانت الأسهم الدفاعية من بين أكبر الرابحين هذا العام، حيث كانت سبعة من أفضل عشرة أسهم أداءً في مؤشر “ستوكس 600” مرتبطة بهذا القطاع. وقد ارتفعت جميعها بنسبة 90% على الأقل، وتصدرت شركات التصنيع المرتبطة بالدفاع الألمانية “رينك غروب إيه جي” و”راينميتال إيه جي” و”هينسولدت إيه جي” القائمة. كما سجلت أسهم البنوك والتأمين تفوقاً في أدائها خلال 2025.

تسائل فلوريان إيلبو، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في “لومبارد أوديير إنفستمنت مانجرز” (Lombard Odier Investment Managers) : “ما الذي لا يُعجبك في الأسهم الأوروبية؟” وأضاف: “في الولايات المتحدة، تُعاقب على أخذ المخاطرة، لكن في أوروبا تُكافأ على ذلك. يبدو أن التضخم تحت السيطرة، وأخيراً هناك بعض الوضوح. أما في الولايات المتحدة، فلا يزال المرء يتساءل عما سيحدث غداً، وما التغريدات التي سيقرأها”.

تفاؤل بشأن الأرباح

شهدت أرباح الشركات تحسناً ملحوظاً، حيث ارتفعت أرباح الشركات المدرجة في مؤشر “إم إس سي آسي أوروبا” في الربع الأول بنسبة 5.3% مقارنةً بتوقعات بانخفاض بنسبة 1.5%، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرج إنتليجنس”. وبينما قلص العديد من المسؤولين التنفيذيين من توقعاتهم نظراً لاستمرار حالة عدم اليقين التجاري، خفض عدد أقل من المحللين تقديرات الأرباح في الأسابيع الماضية، مشيرين إلى أن أسوأ تخفيضات التوقعات قد تكون قد انتهت.

من المؤكد أن آفاق التجارة العالمية لا تزال تُشكّل خطراً رئيسياً. وقد منحت محكمة استئناف فيدرالية ترمب مهلة مؤقتة لحكم يهدد بإلغاء الجزء الأكبر من أجندته المتعلقة بالرسوم الجمركية. في حين صرّح الرئيس بأنه سيرفع الرسوم على الصلب والألومنيوم من 25% إلى 50%.

تُعدّ العديد من الصناعات الأوروبية، بما في ذلك شركات التعدين وصناعة السيارات والسلع الفاخرة، منكشفة بشدة على الأسواق العالمية من حيث إيراداتها. وقد خفّض المحللون هذا العام تقديرات أرباح مؤشر “ستوكس 600” للاثني عشر شهراً المقبلة بنحو 1.4%، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرج”.

لا يزال بعض خبراء السوق يراهنون على أن الأسهم الأوروبية ستتفوق على نظيراتها الأمريكية، حيث يتوقع فريق “جيه بي مورجان” تحقيق أفضل تفوق في أدائها على الإطلاق. في المتوسط، أظهر استطلاع أجرته “بلومبرج” وشمل 20 استراتيجياً توقعوا أن يرتفع مؤشر “ستوكس 600” بنسبة 1% إضافية عن مستوياته الحالية.

وقال فرانسوا ريميو، الخبير الاستراتيجي في “لا فرانسيز أسيت ما نجمنت” (La Francaise Asset Management): “لأول مرة منذ فترة طويلة، أعتقد أن هناك فرصة لتفوق الأسهم الأوروبية على السوق الأميركية”. وأضاف: “لكي يستمر هذا التفوق، يجب أن تُظهر الأرباح نمواً حقيقياً في العام المقبل”.

المصدر: اقتصاد الشرق
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق