"صفعة قوية"... هل يعيد نواب "التغيير" النظر بأدائهم؟!

الفن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

مع مرور أسبوع على آخر جولاتها، لا تزال نتائج ​الانتخابات البلدية​ والاختيارية تخضع للتقييم في الأوساط السياسية، وخصوصًا في داخل ​الأحزاب السياسية​ التي أطلقت ورشات عمل ومراجعة شاملة، من أجل أخذ العِبَر والدروس، لتوظيفها في التحضيرات للانتخابات النيابية المقبلة، بالتوازي مع بدء التكهّنات بشأنها، في ضوء الحديث المتصاعد عن مسعى "تشريعي" لإدخال تعديلات على القانون الانتخابي في الأشهر القليلة المقبلة.

لكنّ مراجعة النتائج التي أفرزتها الانتخابات البلدية الأخيرة قد تكون "حمّالة أوجه"، باعتبار أنّ القراءات تبدو متباينة بين مختلف الأحزاب بشأن "الرابحين" فيها، إذ إنّ كلّ الأحزاب تقريبًا صنّفت نفسها "رابحة" بنتيجة المعارك التي دارت فيها، فـ"الثنائي الشيعي" يقول إنّه انتصر بتحويله الاستحقاق إلى "استفتاء"، و"​القوات اللبنانية​" تقول إنّها كرّست نفسها "القوة المسيحية الأولى"، و"​التيار الوطني الحر​" يجزم أنه خرج "رابحًا"، في مواجهة البروباغندا.

وسط هذا التناقض في القراءات والتحليلات، ثمّة شيء واحد قد لا يختلف عليه اثنان في مقاربة الاستحقاق الانتخابي الأخير، وهو أنّ ​المجتمع المدني​ عمومًا، والخطّ "التغييري" خصوصًا الذي برز بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2019، مُني بهزيمةٍ قاسيةٍ لن يكون بإمكانه إيجاد أيّ "مَخرَج" منها كما تفعل الأحزاب السياسية، بل إنّه تلقّى "صفعة قوية" لم تكن بالحسبان، أطاحت بكلّ ما اعتبرها "منجزات ثورية" تحقّقت "تصاعديًا" على مرّ السنوات.

فمن العاصمة ​بيروت​، إلى جبل لبنان، مرورًا بالشمال وعكار، وصولاً إلى الجنوب والنبطية، كانت رسالة "الامتعاض" واضحة، سواء بشكل مباشر، عبر التصويت للأحزاب السياسية التقليدية على حساب مرشحي المجتمع المدني، أو بشكل غير مباشر عبر الانكفاء والاعتكاف والامتناع عن التصويت، فكيف يقرأ "التغييريون" ونوابهم هذه الرسالة، وهل يعيدون النظر بأدائهم وتكتيكاتهم قبل فوات الأوان؟!.

في المبدأ، يقول العارفون إنّ لا جدال في حقيقة أنّ الانتخابات البلدية والاختيارية جاءت "قاسية" على المجتمع المدني، وعلى ما عُرِف بقوى التغيير، تلك القوى التي بدأ صوتها يُسمَع للمفارقة في انتخابات 2016 البلدية، خصوصًا مع تجربة "بيروت مدينتي" الرائدة آنذاك، لتتطور بعد ذلك شيئًا فشيئًا، عبر حركات مطلبيّة متنوّعة، من طراز "طلعت ريحتكم"، وصولاً إلى الاحتجاجات الشعبية الكبرى في العام 2019، التي سمّاها البعض "ثورة".

وعلى الرغم من أنّ تلك الاحتجاجات أخذت منحى تراجعيًا، بعدما وصلت إلى "ذروتها" عند انطلاقتها في 17 تشرين الأول 2019، قبل أن تدخل على خطها بعض الأحزاب والحركات، وحتى ما عُرِف بالطابور الخامس، ثمّ يخفت بريقها شيئًا فشيئًا مع الانهيار المالي الذي شهده البلد، وصولاً إلى أزمة كورونا العالمية، إلا أنّها فرضت نفسها جزءًا من المشهدية السياسية، حتى أفرزت ما اعتُبِرت "كتلة تغييرية" كاملة في البرلمان الحاليّ.

فبموجب انتخابات 2022، وصل 13 نائبًا من المنتمين إلى المجتمع المدني، والذين خاضوا معركتهم تحت عناوين "تغييرية" و"ثورية"، إن صحّ التعبير، سرعان ما تقلّص عددهم إلى 12 للوهلة الأولى، بنتيجة طعن دستوري بنيابة أحدهم، قبل أن "يتشتّتوا ويتفرّقوا"، ويصبحوا عبارة عن مجموعة من النواب "المستقلّين"، الذين يكادون لا يتلاقون إلا في ما ندر، ولا يتقاطعون حتى على مبادئ واحدة، كما كان ناخبوهم يفترضون على الأقلّ.

ولعلّ هذا الأداء الذي يعتبره كثيرون "مخيّبًا"، هو الذي تسبّب بما أصبحت توصف بـ"نكسة التغيير" في الانتخابات البلدية، "نكسة" قد تكون انتخابات العاصمة بيروت الأكثر تعبيرًا عنها، باعتبار أنّها شكّلت ما كان يفترض أن تكون "أمّ المعارك" بالنسبة للمجتمع المدني، من خلال لائحة "بيروت مدينتي"، فإذا بالمفاجأة تكمن بالأرقام الخجولة التي حقّقتها، والتي لا تُقارَن حتى بتلك الأرقام التي سطّرتها في انتخابات 2016، قبل أن يصبح التغيير "ترند".

ويكاد الأمر نفسه يسري على معظم الساحات والجبهات الأخرى، فالمعارضون لـ"الثنائي" جنوبًا وبقاعًا تراجعوا بدل أن يتقدّموا، وجاءت أرقامهم هزيلة مقارنة مع أرقام 2016 أيضًا، أما في الساحة المسيحية، فلم يُسمَع لهم صوت، ولم يُرصَد لهم أثر، مع تقدّم "القوات" و"التيار" و"الكتائب" وسواها من الأحزاب التقليدية، حتى إنّهم في الساحة السنّية لم يحقّقوا الخرق المطلوب، رغم أن انكفاء تيار "المستقبل" كان يفترض أن يلعب لصالحهم.

إزاء كلّ ذلك، يبدو واضحًا أنّ الرأي العام أراد أن يوجّه رسالة امتعاض للخطّ "التغييري" على امتداد الوطن، رسالة يُعتقَد أنّ نواب "التغيير" الحاليّين يتحمّلون مسؤولية أساسية في بلورتها، نتيجة أدائهم "المتضعضع" إلى حدّ بعيد منذ وصولهم إلى الندوة البرلمانية، وصولاً إلى "ذوبان" بعضهم في تحالفات وتكتّلات معروفة الولاء، فما الذي يقوله هؤلاء النواب عن هذه الرسالة، وكيف يتلقّفونها، وهل يستفيدون منها لتعديل تكتيكاتهم قبل استحقاق 2026؟.

المفارقة أنّ "لا إجابة موحّدة" حتى عن هذه الأسئلة بين نواب "التغيير" المنقسمين على أنفسهم، وهذا ما كشفته التعليقات الأولية على النتائج، ففيما كان بعضهم يدعو إلى التريّث لفهم نتائج الانتخابات، ومحاولة أخذ العِبَر منها، كان بعضهم الآخر "يبرّر" الخسارة بالحديث عن الظروف الاستثنائية التي جاءت فيها الانتخابات، ليتسلّل بعض ثالث مسجّلاً النقاط على "زملائه"، بالحديث عن غرور وأوهام، وعن عقليات متحجّرة، وهوس بالمناصب، وما إلى ذلك.

قد يشكّل هذا التباين في القراءات وحده دليلاً على وجود "خلل" في أداء نواب "التغيير"، الذين لا يبدو أنّهم استوعبوا "درس" الانتخابات البلدية حتى الآن، بدليل استمرارهم في الأداء نفسه، وهو الأداء الذي يرى كثيرون أنّه تسبّب لهم بالخسارة أكثر من الربح، بعدما وقعوا في محطّات كثيرة في فخّ الشعبوية والاستعراض، فلم يقدّموا البديل الذي كان يرغب به الجمهور، الذي استبشر بهم خيرًا، باعتبار أنّهم يمكن أن يفتحوا باب التغيير الجذري في النظام.

صحيح أنّ هؤلاء النواب تعرّضوا منذ وصولهم إلى ضغوط كثيرة، كما يتعرّضون اليوم ربما إلى "جلد" مُبالَغ به، وكأنّهم يحتكرون بشخصهم النواب الـ128 في المجلس، أو كأنّ المطلوب منهم أن يواجهوا بمفردهم كلّ الكتل الأخرى، لكنّ ذلك لا يعفيهم من مسؤوليّة، ثمّة بينهم من يقرّ بها أساسًا، من خلال نقد ذاتي يقدّمه، خلاصته أنّ أقلّية فقط منهم بقيت منسجمة مع مبادئ "17 تشرين"، فيما فضّل آخرون الانخراط في المنظومة، والاستفادة من مزاياها.

في النتيجة، يمكن القول إنّ نواب "التغيير" تلقّوا فعلاً "صفعة قوية" بنتيجة الانتخابات البلدية، "صفعة" قد تكون ناتجة عن أدائهم المرتبك، وعدم تقديمهم النموذج البديل الذي كان ينتظره الناس، لكنّها قد تكون ناتجة أيضًا عن عوامل أخرى، يختلط فيها حابل الأحزاب بنابل العائلات، من دون أن ننسى الظروف المتغيّرة. لكنّ الأكيد، في كلّ الأحوال، أنّ المطلوب من "التغييريين" مقاربة جديدة ومختلفة، بعيدًا عن التنافس والنكايات، وبالتأكيد الأوهام!.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق