شكراً لانكم على قيد الحياة رغم انف كل عشاق موتكم .. بقلم لؤي ديب

المشرق نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

شكراً لانكم على قيد الحياة رغم انف كل عشاق موتكم .. بقلم لؤي ديب

الناس في غزة ، هناك حيث تدخل الي بعد زمنى من عالم آخر .. الناس هناك يمضغون الصبر كما يُمضغ الخبز اليابس.. يعلقون أرواحهم على حبال الوقت كل صباح، ويخرجون ... كأنهم جنود في حرب لا يعرفون سببها .. يعودون منهكين، تسحبهم الأرصفة إلى خيمة غير تلك التى غادروها في الصباح ،

 

الناس  كأنها توابيت مؤجلة.. تراهم  يبتسمون لصراف جشع وهو يسلبهم آخر ما تبقى من حوالة او راتب كلفهم الكثير من الكرامة ، تراهم يرقصون في الأعراس وهم يعلمون أن الموت أقرب.. يتزوجون لا حباً، بل هرباً من الوحدة، وينجبون لا رغبة، بل خوفاً من العدم..

 

الحياة هناك... كأنها صفعة تتكرر كل يوم، وكأن الأمل سلعة لا تباع إلا للأثرياء.. المدارس علمتهم الطاعة، والمساجد وعدتهم بالجنة، لكن لا أحد كان يملك الجرأة ليعلمهم كيف هي الحياة في الجحيم بدون خبز ..

 

الجحيم في غزة النار والرصاص والموت في كل زاوية قطع صغيرة في احجية الجحيم الغزي ، الجحيم الذي لا نراه  هو أن تبتلع كرامتك لتطعم أطفالك .. أن تضحك لجاهل على تكية وهو يحطم ما تبقى منك، أن تخلع جلدك كل مساء وتعلقه على جانب بقايا كيس طحين تُسميه خيمة.. ثم تنام كأن شيئاً لم يكن تتمنى موتة سريعة لنفسك ، تتذكر احبابك فتخاف عليهم من الجحيم فتدعو بموتهم ايضا .. هي غزة ارض المتضادات تبتلع رمالها كل منطق .

 

ايها الغزيون ..  أيها الغرباء في وطنكم، أيها الواقفون على الحافة منذ قرون، أنتم المعجزة التي لا تذكر في الكتب.. أنتم الصمت الذي لا يفهمه أحد، والصبر الذي لا يصفق له أحد.. هذه المسرحية... لم تكتبوها انتم ، لكنم تمثلون مشاهدها بإتقان مريب.. تموتون في ادواركم  ... ويبكون لأن المشهد كان مؤثر .

 

في القرية حيث ولد اجداده ابن غزة قيل له مكانك ليس هنا ، في المدينة يقولون له مكانك ليس هنا ، في الوطن يقولون له مكانك ليس هنا ، وفي المنفى يقولون له مكانك ليس هنا ، أين مكان الغزاوي إذا ؟ في الفضاء  !

 

وكأنه في مرحلة الفطام يحبو باكياً لا يعرف اين يذهب وكيف يمشى ، ينتظر يأكل ما تطوله اظافره الغصة من تراب الشارع وركام الحجارة ويبدو ان هناك منّ يريد ان يقول له لقد اكلت حصتك من الوطن بهذا النهم الجائع وعليك ان تقبل الموت خيار مثل شخص يسقط من بناية من الطابق الخمسين ويُعجب بزهور الشرفات التي يمر بها في دربه إلى الموت ، وربما عليك ان تصفق على شرفة من خطط لموتك ففى فلسفة الموت و الحياة في غزة لا تستغرب .

 

الجحيم والمأساة في غزة لیست فقط في فقدان الأرواح ، بل في تحول الإنسان إلى مجرد رقم ، يُسجل ويُنسى ، وهناك منّ لا ينفك يذكرك بحتمية الفناء .

 

إيمانك بأن الدنيا فانية  شيء واعتناقك مذهب الفناء شيء اخر ، مذهب الفناء الذي زرع الموت وحصد الارواح سوف يجعلك تتغاضى

عن حقك في العيش ( كملك أو ملكة ) ، و أمور كثيرة جداً لا تبدي حيالها حتى أي ردة فعل

وسوف تسلم دنياك طواعية إلى غيرك لكي يستمتع بها ، لكن ! لا تبكي ولا تشتكي من الفقر ولا تحسد غيرك على دنياه الجميلة تلك هي الاتفاقية الغير مكتوبة والمعمول بها بين اهل غزة وكل من تناوب على حكمهم .. اتفاق يرضي الجميع  هم يقولون ما يشتهون ،  والقيادات والتنظيمات واسرائيل والعرب والعالم يفعلون بهم ما يشتهون .

 

كل الذين تورطوا في حزنكم سيضيق الله صدورهم ويسخر لهم من يؤذي قلوبهم ولو بعد حين !

 

نحن في عصر تحالفت فيه المعابد مع القصور

ضد الأكواخ وغزة تكتب الافتتاحية ولا ينافسها شيء على الخاتمة .

 

شكراً لانكم على قيد الحياة رغم انف كل عشاق موتكم

 

انتهى

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق