أصبحت عبارة «الهيدروجين الأخضر» تتردد كثيراً فى وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والصحف، والمجلات، ومنصات التواصل الاجتماعى، وكأنها تمثل الحل السحرى لأزمة الطاقة الكهربائية فى العالم، وفى هذا المقال نُجيب عن أبرز التساؤلات المتعلقة بهذا النوع من الوقود النظيف. فى البداية، يتم إنتاج الهيدروجين من خلال عملية التحليل الكهربائى للماء، إذ يتكوَّن الماء من ذرتى هيدروجين وذرة أكسجين، وبحسب تصنيف الأمم المتحدة، يُطلق على الهيدروجين ألوان مختلفة، وفقاً لمصدر الطاقة الكهربائية المستخدمة فى عملية التحليل. تتنوع مصادر إنتاج الكهرباء ما بين الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية، والفحم، والوقود الأحفورى (كالغاز الطبيعى والمازوت). فعلى سبيل المثال، يُطلق اسم «الهيدروجين الأسود» على الهيدروجين الناتج من الكهرباء المولدة باستخدام الفحم، فى حين يُطلق «الهيدروجين الأخضر» على الهيدروجين الناتج من الكهرباء المُولدة من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويمتاز الهيدروجين الأخضر بكونه وقوداً نظيفاً لا يُسبب أى انبعاثات كربونية. وقد دفع النقص فى إمدادات الغاز الطبيعى، نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، الدول الأوروبية إلى التوسع فى استخدام الهيدروجين الأخضر كبديل آمن ومستدام. ومن مظاهر هذا التوسع، انتشار السيارات العاملة بالهيدروجين الأخضر فى أوروبا، إلى جانب بناء محطات تموين خاصة بها، وتتميز هذه السيارات بأنها صديقة للبيئة، لا تصدر عنها انبعاثات كربونية، كما أنها منخفضة التكلفة من حيث الصيانة. وقد خطت فرنسا خطوة رائدة بإنتاج أول قطار يعمل بالهيدروجين الأخضر من خلال شركة «ألستوم»، وأصبح مصطلح «النقل الأخضر» أو «النقل النظيف» رائجاً فى القارة العجوز، التى تشهد تجارب مُماثلة على سفن الحاويات العاملة بالهيدروجين. وللهيدروجين الأخضر ميزة إضافية فى محطات الكهرباء التقليدية العاملة بالوقود الأحفورى؛ إذ يحتوى على طاقة تفوق بثلاثة أضعاف ما يحتويه الوقود التقليدى، مع انعدام الانبعاثات الضارة. ويمكن مزجه بنسبة تصل إلى 20% مع الغاز الطبيعى فى الشبكات الحالية دون الحاجة إلى بنية تحتية جديدة، ما يعنى خفض التكلفة، وسهولة التطبيق، وإمكانية تخزينه واستخدامه فى حالات الطوارئ أو اضطرابات السوق. ويُقدَّر الإنتاج العالمى من الهيدروجين الأخضر حالياً بنحو 80 مليون طن سنوياً. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، سيغطى الهيدروجين الأخضر حوالى 25% من احتياجات الطاقة عالمياً، بحجم مبيعات سنوى قد يصل إلى 770 مليار دولار. ووفقاً لمجلس الطاقة العالمى، فإنه بحلول عام 2025، من المتوقع أن تشمل إستراتيجيات الهيدروجين الوطنية دولاً تمثل أكثر من 80% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وتُعد كندا وفرنسا واليابان وأستراليا والنرويج وألمانيا والبرتغال وإسبانيا وتشيلى والصين وفنلندا من أبرز الدول الرائدة فى هذا الاتجاه. وفى العالم العربى، أعلنت منظمة أوابك (منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول) أن عدد الدول العربية المهتمة بالاستثمار فى مشروعات الهيدروجين الأخضر ارتفع إلى سبع دول، وهي: مصر، والإمارات، والسعودية، والعراق، والجزائر، وعمان، والمغرب. وتوقع العديد من المصادر أن يصل حجم سوق الهيدروجين الأخضر إلى 300 مليار دولار بحلول 2050، وأن يوفر نحو 400 ألف فرصة عمل فى قطاع الطاقة المتجددة عالمياً، مع ارتفاع الطلب العالمى إلى 530 مليون طن سنوياً فى العام نفسه. أما فى مصر، فقد وجَّه الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2022 بإعداد إستراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مع توفير البنية التحتية اللازمة لهذه المشروعات، مؤكداً أن التحول إلى الطاقة المستدامة يُعد من أهم أركان رؤية مصر 2030. وقد بدأت الدولة بالفعل فى تنفيذ هذه التوجيهات من خلال شراكات بين صندوق مصر السيادى والقطاع الخاص، كان أبرزها افتتاح أول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس فى نوفمبر 2022، بالشراكة مع شركة «سكاتك» النرويجية، بإنتاج مبدئى يبلغ 15 ألف طن سنوياً. وفى يونيو 2024، وأثناء استضافة مصر مؤتمر الاستثمار بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى، تم توقيع اتفاقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته فى منطقة رأس شقير، بهدف تعزيز التنمية المستدامة، وتوطين الصناعة، وتوفير وقود نظيف للسفن العابرة فى قناة السويس، ما يرفع القيمة المضافة للاقتصاد المصرى. تمثل هذه الخطوات رؤية إستراتيجية متكاملة تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز إقليمى وعالمى للطاقة والوقود الأخضر، وضمان تنوع مصادر الطاقة وتحقيق مزيج مستدام، يقى البلاد تقلبات أسواق النفط العالمية. وفى الختام، أؤكد أن الهيدروجين الأخضر هو وقود المستقبل، ومحور رئيسى فى معادلة أمن الطاقة العالمي. بقلم: دكتور أحمد الشناوى خبير الطاقة الكهربائية