لفت وزير العدل عادل نصار، خلال إطلاق النّسخة الأولى من مؤتمر "أيّام بيروت للتّحكيم"، في بيت المحامي في بيروت، إلى أنّ "هذه النّدوة تهدف عمليا الى وضع لبنان في قلب النشاط التحكيمي الذي يتطور في العالم، إذ أن لبنان يمتلك جميع المقومات اللازمة للعب دور اساسي في هذا المجال، إن كان على الصعيد الوطني أو على صعيد المنطقة وحتى عالميا".وأوضح أنّ "المركز اللبناني والدولي للتحكيم ونقابة المحامين يلعبان دورا جوهريا في سياسة تطوير التحكيم، وعلينا كوزارة عدل أن نساهم في تفعيل التحكيم والتعاون معهما"، مشيرًا إلى "بعض الافكار أو الملاحظات الّتي لا بدّ لي كوزير للعدل متمسّك بأهميّة التّحكيم، أن أعرضها على المشاركين، طالما أننا نؤمن بمبدأ التشارك في العمل الذي جرى اعتماده في مشروع قانون استقلالية القضاء".وفنّد نصّار أنّ "الملاحظة الأولى أنّه حتى ولو كان التحكيم وسيلة بديلة عن القضاء لحل النزاعات، فما من تنافس بين القضاء والتحكيم بل تعاون بينهما وخدمة مشتركة، لهدف مشترك وهو إحقاق الحق. فلا تنافس مثلا بين الطائرة والسيارة وكلاهما وسيلتا نقل"، مؤكّدًا أنّ "التحكيم يبقى بحاجة للقضاء ما دام أنه يعود للقضاء مؤازرة التحكيم في تشكيل هيئة التحكيم، أو حل مسائل اعتراضية خلال الإجراءات التحكيمية أو للرقابة على القرارات التحكيمية. فإذا كان المطلوب التعاون بين القاضي والمحكم، لا بد من خلق بيئة حاضنة للتحكيم لدى القضاة، وإنني على يقين أن هذه المسألة وكيفية تحقيقها ستكون مدار بحث في المؤتمر".وركّز على أنّ "الملاحظة الثانية، هي أنّ نجاح لبنان في لعب دور محوري في مجال التحكيم يتطلب تفانيا وخروجا عن العمل الفردي لاعتماد العمل التشاركي. لبنان لا يفتقر على الإطلاق للطاقات البشرية والعلم في مجال التحكيم، بل هو يتمتع بعدد كبير من الطاقات داخليا وخارجيا ولديه مراكز للتحكيم"، معلنًا أن "الوزارة على استعداد لبذل الجهود اللازمة لجمع هذه الطاقات، وخلق مساحة مشتركة بهدف تثبيت دور لبنان على خريطة التحكيم الدولي، فتوحيد الجهود يفتح أبواب النجاح".كما أوضح أنّ "بالنسبة للملاحظة الثالثة، لن أبدي وجهة نظر بخصوص إمكانية تعديل القوانين المنظمة للتحكيم، وسأترك مناقشة هذه المسألة للجلسات التي ستعقد خلال هذا المؤتمر، إلاّ أنني أطرح بعض الأسئلة متمنيا على المشتركين مناقشتها:أ- هل من المستحبّ إعطاء المتعاقدين الحق في التنازل بصورة مسبقة، كما هو الحال في جنيف، عن مراجعة الإبطال، أو أنه من الأفضل إبقاء الحال كما هو عليه، أو حتى إعطاء الجهات إمكانية التنازل عن بعض أسباب مراجعة الإبطال وإبقاء البعض الآخر؟ فهنالك أهداف متضاربة بين تشجيع المتعاقدين على اعتماد لبنان كمركز للتحكيم، والمحافظة على ضمانات أساسية تفرض على المحكمين تحت طائلة إبطال قراراتهم.ب- هل من المستحب اعتماد معايير محددة لمهمة المحكّم المطلق (amiable composition)؟ حيث أننا نعلم جميعاً أن حدود مهمة المحكّم المطلق تتسم بالغموض، فهل من المفيد أن يتدخل المشترع لتنظيمها، أو من الأفضل الإبقاء على حلول مبنية على تطور الاجتهاد؟ت- هل من المستحبّ وضع ضوابط قانونية تحدد أصولا صارمة للإجراءات التحكيمية، سعيا لخلق فعالية أكبر في إصدار القرارات التحكيمية ولكن على حساب البعد التعاقدي للتحكيم، أم الإبقاء على الحالة كما هي اليوم؟".وتابع نصار باللغة الفرنسية: "بقدومكم من الخارج إلى لبنان، في وقت لم يمضِ فيه سوى ستة أشهر على القصف الذي شهده لبنان، فإنكم لا تُعبّرون فقط عن صداقة نبيلة، بل تساهمون أيضا في تعزيز تلك الطاقة التي بفضلها لا يتعلم اللبنانيون أبدا معنى الاستسلام. لذلك، أود أن أشكركم على حضوركم الدائم وتلبيتكم للدعوة، وعلى مساهمتكم القيّمة، ليس فقط في تطوير التحكيم، بل أيضا في صون الجسور التي تمكن لبنان دوما من النهوض من جديد، ومواصلة تقديم إسهامات إيجابية للعالم".وبيّن أنّه "لطالما شُبّه لبنان بطائر الفينيق الذي ينهض من رماده. لكنني أؤمن أن لبنان، رغم ما مر به، لم يطفأ نوره ولم يتحوّل الى رماد. إن شعلة الديمقراطية والحرية قد خفُت وهجها مرارا، لكنها لم تنطفئ قطّ"، مشدّدًا على أنّ "رغم كل الاضطرابات التي شهدتها المنطقة، ورغم الثمن الباهظ الذي فُرض عليه مرات عديدة، بقي لبنان بلدا تعدديا، ديمقراطيا، وضامنا للحريات. واقتباسا من فيكتور هوغو، وإن كان ذلك نادرًا، يمكن للبنان أن يقول بثقة: "إذا لم يبقَ في المنطقة سوى عشرة بلدان ديمقراطية، فسأكون العاشر، وإن لم يبقَ سوى واحد، فسأكون أنا هذا البلد".