شهد سوق الكربون المصرى نقلة نوعية خلال مايو الجاري، بعد أن أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية، بالتعاون مع البورصة المصرية، عن إدخال تعديلات جديدة على اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال، بهدف توسيع نطاق أدوات السوق وتعزيز فرص النمو فيه، حيث أُتيح تداول شهادات الطاقة الجديدة والمتجددة. أبرز تلك التعديلات شمل الاعتراف بـشهادات الطاقة المتجددة كأدوات مالية قابلة للتداول داخل السوق، ما يفتح الباب أمام الشركات للمشاركة بفاعلية فى جهود خفض الانبعاثات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما تم تعديل اسم السوق من «سوق الكربون الطوعى» إلى «بورصة المناخ المصرية»، فى خطوة تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمى لتمويل المناخ وتداول أدوات الاستدامة. وشهادات الطاقة الجديدة والمتجددة هى أداة مالية تُثبت أن وحدة كهرباء تم إنتاجها من مصادر نظيفة ومتجددة مثل الشمس أو الرياح، ويمكن تداولها وبيعها للشركات التى تحتاج إلى موازنة استهلاكها الكربونى. وتُعد أداة مهمة فى تحفيز التحول للطاقة المستدامة. عالمياً، وبحسب مركز «جلوبال ماركت إنسايتس»، بلغ حجم سوق الكربون العالمى فى 2024 نحو 114.8 مليار دولار، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل 15.8% سنوياً حتى عام 2034، ما يعكس الفرص الكبيرة التى يمكن لمصر أن تقتنصها عبر «بورصة المناخ المصرية». نشاط السوق محلياً منذ انطلاق بورصة المناخ المصرية فى أغسطس الماضي، تم تنفيذ 6 عمليات تداول حتى مايو 2025، بإجمالى 5500 شهادة. كما بلغ عدد شهادات الكربون الطوعية المُسجلة فى مصر بنهاية 2024 حوالى 145 ألف شهادة، صادرة عن 21 مشروعاً مسجلاً لدى الهيئة. توزعت هذه المشاريع بين مصر ودول مثل الهند ونيبال وبنجلاديش، وتنوعت بين الزراعة، والطاقة المتجددة، والمشروعات منخفضة الكربون. كما سجلت الهيئة 14 مشروعاً إضافياً فى سبتمبر الماضي، وتم تنفيذ أكثر من 12 عملية تداول. دشنت البورصة المصرية مؤخراً سوقاً طوعياً لتداول شهادات الكربون بهدف خلق تمويل يسمح للشركات بالاستثمار فى تخفيض انبعاثاتها الكربونية. وأصبح التحول نحو أسواق الكربون من الأمور الأساسية، وليس رفاهية، فى ظل التوجه العالمى نحو تخفيض الانبعاثات الكربونية، والحاجة إلى تمويل التحول إلى الاقتصاد الأخضر. وتسعى مصر لخلق قنوات تمويل جديدة للدولة والشركات عبر إطلاق السوق الطوعى للكربون، والسعى لتدشين سوق إلزامى. توقعات العام الجارى قال خليل البواب، رئيس الأسواق الإقليمية بشركة بلتون القابضة، إن إطلاق شهادات الطاقة المتجددة يُعد خطوة محورية لتعزيز السوق، متوقعاً زيادة الزخم خلال 2025. وأضاف «البواب» لـ«البورصة»، أن الأدوات المالية الجديدة التى يتم إضافتها بمثابة تعزيز للسوق، وخطوة لازمة ضمن عمليات التطوير المستمر. وأوضح أن السوق من شأنه دعم وتقديم مجموعة متنامية من المنتجات المالية القائمة على الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، فضلاً عن دوره فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وشهد سوق شهادات الكربون أول عمليات تداول بين شركة «إيزيس للصناعات الغذائية» (الطرف المشتري)، و«الجمعية المصرية للزراعة الحيوية» (الطرف البائع)، عبر شركة بلتون لتداول الأوراق المالية بسعر 1040 جنيهاً للشهادة، وبين شركة «دالتكس» (الطرف المشتري)، وشركة «VNV أدفايزوري» (الطرف البائع)، وبين شركة «SCB للأسواق البيئية» (الطرف المشتري). وتساعد أسواق الكربون على تعبئة الموارد وتقليص التكاليف، بما يتيح للبلدان والشركات المجال لتسهيل التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. تشير التقديرات إلى أن تداول أرصدة الكربون قد يخفض تكلفة تنفيذ المساهمات الوطنية فى مكافحة تغير المناخ، كما أن تدشين أسواق مختلفة لتداول شهادات الكربون يُعد توجهاً عالمياً فى الفترة الحالية لتخفيض انبعاثات الكربون، خاصة بعد اتفاقية باريس للمناخ. فيما طالب ياسر المصرى، العضو المنتدب لشركة العربى الأفريقى لتداول الأوراق المالية، بوضع إطار تشريعى يُلزم الشركات بإصدار شهادات الكربون، مشدداً على ضرورة رفع الوعى وتوفير آليات تنفيذ بسيطة وسهلة للشركات لضمان تداول سلس لشهادات الكربون، مما يعمل على رفع حجم السوق مستقبلاً. سوق الكربون الطوعى، الذى يسمح للشركات أو الأفراد بتعويض انبعاثاتهم على أساس طوعى من حيث أرصدة الكربون، وعادة ما تشارك الشركات على هذا الأساس استجابة لمسئوليتها الاجتماعية، وليس إلزاماً من الحكومة. أشار إيهاب رشاد، نائب رئيس شركة مباشر كابيتال، إلى «آلية تعديل حدود الكربون» التى فرضها الاتحاد الأوروبى على الشركات المُصدّرة، والتى ستسهم فى زخم إصدار شهادات الكربون حتى تتمكن من إتمام عملياتها التصديرية، مما سيمثل حافزاً قوياً لتحرك السوق محلياً، متوقعاً طفرة خلال 2025 نتيجة هذا الضغط التنظيمى الخارجى. ويشمل الاتفاق، الذى يُعرف بـ«آلية تعديل حدود الكربون»، الواردات الصناعية من بلدان التكتل الـ27، ويستهدف أولاً المنتجات الأكثر تسبباً للتلوث؛ حيث سيتعيّن على المستورد الإعلان عن الانبعاثات المرتبطة مباشرة بعملية الإنتاج، وإذا تجاوزت المعايير الأوروبية، فسيكون عليه الحصول على «شهادة انبعاثات» بثمن ثانى أكسيد الكربون فى الاتحاد الأوروبى. وتُعد مصر من الدول المصدّرة للأسمدة للاتحاد الأوروبي، مما يُلزم شركاتها بتقديم شهادة كربونية للمنتجات المصدّرة حتى تتمكن من الاستمرار فى التصدير.