من شعار “الأسرى أولًا” إلى واقع التضحية بهم… ماذا خلف قرار العدو توسيع عمليته البرية في غزة؟

قناة المنار 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

مرارًا وتكرارًا، أعلنت حكومة العدو الإسرائيلي أن “استعادة الأسرى” أولوية، لكنّ قرار الاجتياح البري الواسع بعد عام ونصف من الفشل في إعادتهم، إلا عبر صفقات التبادل، يكشف أنّ النية الحقيقية تتمثل في إسقاط “حماس”، التي زعم العدو سابقًا أنها سقطت، ولو كان الثمن أرواح الأسرى أنفسهم.

ففي تصعيد غير مسبوق، أعلنت حكومة الاحتلال المصادقة على خطة شاملة لتوسيع العملية العسكرية البرية في قطاع غزة، في وقتٍ تشهد فيه الساحة الداخلية للعدو احتجاجات شعبية متصاعدة وغضبًا واسعًا من عائلات الأسرى، الذين يشعرون بأنّ أبناءهم باتوا وقودًا لقرار سياسي وعسكري متهوِّر.

وبينما تحاول الحكومة الترويج لهذه العملية تحت شعار “هزيمة حماس وإعادة الأسرى”، فإنّ الوقائع والتصريحات الرسمية المتضاربة، والمشهد الداخلي الإسرائيلي، تشير إلى تناقض خطير بين الأهداف المعلَنة والحقائق على الأرض.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال في تصريح لوسائل الإعلام: “نتجه نحو عملية ستتضمن هجومًا واسعًا يشمل نقل معظم سكان القطاع، واستمرار الضربات، وتصفية المسلحين، وتفكيك البنى التحتية، وبالنسبة للجيش، استعادة الأسرى هي الأولوية القصوى، وبعد ذلك يأتي إسقاط حماس”.

لكنّ الواقع يؤكّد عكس ذلك؛ إذ إنّ العملية البرية الواسعة، كما تم تنفيذها سابقًا في أكثر من منطقة في القطاع، تُعرّض حياة الأسرى الصهاينة لخطر بالغ، وتُقلّل فرص استعادتهم أحياء. فكيف يمكن اعتبار الأسرى أولوية، بينما يُتَّخذ قرار عسكري يؤدي عمليًّا إلى تهديد مباشر لحياتهم؟

“لا نريد أبناءنا جثثًا”

من جهتهم، أعربت عائلات الأسرى عن رفض صريح لتوسيع العمليات، موجّهة رسالة مباشرة إلى رئيس هيئة الأركان جاء فيها: “كيف سيوسّع الجيش القتال في غزة ويتجنّب الإضرار بأبنائنا؟”

وقالت بعض العائلات خلال احتجاجات في القدس: “نحن لا نريد سماع شعارات، نريد أفعالًا تُعيد أبناءنا أحياء. إن كان لا يمكن استرجاعهم إلا بصفقة، فلتُنجَز الصفقة… لا نريد أبناءنا جثثًا”.

تعكس هذه الأصوات انقسامًا داخليًا حادًّا في “إسرائيل”، حيث يرى أهالي الأسرى أنّ الحكومة تستخدم أبناءهم غطاءً لتبرير عملية عسكرية موسّعة.

احتجاجات وقانون التجنيد

إلى جانب تصاعد التوتر حول ملف غزة، شهدت القدس احتجاجات واسعة على خلفية قانون التجنيد الإجباري، وصلت إلى حدّ قطع الطرق وتعطيل مسار القطار الخفيف، ما يعكس حالة من الضغط الشعبي والانقسام المجتمعي المتفاقم.

التفاعل الداخلي المتصاعد دفع قيادة العدو إلى اتخاذ قرار التصعيد

في سياق متّصل، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الأستاذ علي حيدر، في حديث لموقع “المنار”، إن “هناك مجموعة من العوامل التي ساهمت في بلورة قرار العدو بتوسيع نطاق عدوانه وحربه على قطاع غزة، وتحديدًا التوجّه نحو تنفيذ عملية برية”، مضيفًا أنّ “من أبرز هذه العوامل فشل المخططات السابقة التي سعى العدو من خلالها إلى تحقيق أهدافه المعلنة. ولو كانت تلك المخططات قد نجحت، لما استمرت الحرب حتى الآن، ولما اضطر العدو إلى التصعيد وتوسيع نطاق عدوانه بهذا الشكل”.

وتابع حيدر قائلًا: “رغم فشل تلك المخططات، إلا أنّ الاحتلال فرض وقائع قاسية جدًا على قطاع غزة، تجلّت في الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى والمعوّقين، فضلًا عن حجم الدمار الكبير والوضع الإنساني الكارثي. ويحاول العدو من خلال هذه الضغوط تعزيز تأثيره على المقاومة، وعلى حركة حماس بشكل خاص، بالإضافة إلى الضغط المتواصل على سكان القطاع”.

وفي سياق آخر، أضاف حيدر أن “فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة حتى الآن قد ساهم في تفجّر تداعيات داخلية واسعة في كيان العدو، سواء على مستوى الرأي العام، أو من خلال امتداد الاعتراضات إلى أوساط الجنود الاحتياط”، موضحًا أنّ “هذا التفاعل الداخلي المتصاعد دفع قيادة العدو إلى اتخاذ قرار التصعيد كخيار لتحقيق ما يمكن من أهدافها”.

وأشار حيدر أيضًا إلى أنّ “هذا القرار جاء بعد فشل خطة التدرج في ملف تبادل الأسرى، حيث حاول العدو تغيير شروط التبادل بعد أن حصل على بعض الأسرى في المرحلة الأولى، محاولًا فرض تدرّج جديد يتيح له انتزاع المزيد من الأسرى. لكن فشل هذا المسعى، وإعلان حركة حماس موقفها الواضح بعدم القبول إلا باتفاق شامل ودفعة واحدة، دفع العدو إلى تصعيد جديد”.

وأضاف حيدر أنّ “من بين العوامل الأخرى التي دفعت العدو إلى التصعيد، وجود مخاوف من أن يتبلور موقف أمريكي يدعو إلى وقف الحرب”. وذكر الخبير في الشأن العبري أنّ “الحرب، مهما طالت، لها أفق زمني محدود، ولا يمكن لأي طرف أن يدخل في حرب مفتوحة إلى ما لا نهاية، خاصة في ظل الاستنزاف الكبير الذي تتحمّله”.

وتابع قائلًا: “قد يكون من بين دوافع العدو أيضًا الحاجة إلى التفرّغ لتحديات وتهديدات أخرى، خاصة التهديد الإيراني، بالإضافة إلى الملف اليمني الذي أصبح يشكل ضغطًا إضافيًا على كيان العدو”. وأكّد حيدر أنّ “هذه العوامل مجتمعة دفعت العدو إلى توسيع عدوانه، في محاولة لمراكمة الضغوط على حركة حماس، بهدف دفعها إلى قبول الشروط الإسرائيلية في ملف الأسرى”.

علي حيدر

التداعيات المحتملة

فيما يتعلق بالتداعيات المحتملة لتوسيع العملية البرية في قطاع غزة، قال حيدر: “أي حديث عن تداعيات يبقى مرهونًا بالنتائج العسكرية لهذه العملية وما سيترتّب عليها”. وأضاف: “بناءً على فرضية أن المقاومة ستنجح في صدّ هذا العدوان واستنزاف قوات الاحتلال، يمكن توقّع عدد من التداعيات المحتملة، أبرزها ازدياد الخطر على حياة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، وما قد يرافق ذلك من تفاقم الاحتجاجات داخل كيان الاحتلال”.

كما أشار إلى “استمرار استنزاف قوات الاحتلال، مما سيؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية، وهو ما ستكون له انعكاسات مباشرة على الوضع الداخلي، ويعزّز القناعة بأن هذه الحرب بلا أفق، تُخاض لأغراض سياسية وأيديولوجية ضيّقة”.

كذلك، أوضح حيدر أنّ “هذا الوضع سيطرح تحديات جديدة أمام دوائر القرار السياسي والأمني في كيان العدو، في ظل الفشل المتكرّر في تحقيق الأهداف المرجوة من العملية البرية، مما يثير تساؤلات عن مستقبل الحرب: إلى أين تتجه هذه الحرب؟ ومتى ستتوقف؟”.

واختتم حيدر حديثه بالإشارة إلى أن التصعيد المستمر في الإسناد العسكري من اليمن، والضربات الصاروخية المتزايدة، بالإضافة إلى الحصار الجوي والبحري في البحر الأحمر، يُعدّ من أبرز التداعيات التي تواجه العدو في هذا السياق، قائلًا: “نحن أمام تطورات متسارعة في مشهد يتفاعل في اتجاهات متعددة، وقد تفضي إلى مجموعة من التداعيات التي لم تتبلور بعد بشكل كامل، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي”.

المصدر: موقع المنار

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق