قضت قناة بنما الأعوام الماضية وهي تواجه ظروفاً مناخية قاسية، أبرزها ظاهرة “إل نينيو” والجفاف الحاد الذي تسبب في أزمة بمستوى المياه. أما اليوم، فتهدد حرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية هذا الممر الحيوي للتجارة العالمية. تمثل القناة ممراً أساسياً لحركة الشحن البحري المتجه للساحل الشرقي للولايات المتحدة، إلا أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين والانخفاض السريع في الطلب الأمريكي على السلع المصنعة أديا إلى تراجع النشاط التجاري. ويمر نحو 40% من حركة الحاويات الأمريكية عبر قناة بنما سنوياً، ما يعادل بضائع بقيمة 270 مليار دولار. وتُعد الولايات المتحدة والصين أكبر مستخدمين للقناة، التي ازدادت أهميتها بعد اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية. ورغم ظروف الجفاف، بلغ دخل سلطة قناة بنما 3.38 مليار دولار العام الماضي، وهو ارتفاع مستمر منذ 2017. وأدت الرسوم الجمركية التي أعلن عنها ترمب بنسبة 145% على السلع الصينية، والمقرر أن تبدأ بالتأثير على الشحنات القادمة في 27 مايو، إلى تراجع كبير في الواردات الأمريكية من الصين. وتشير بيانات شركة “بروجكت 44” إلى زيادة بنسبة 300% في رحلات الشحن الملغاة من الصين إلى الولايات المتحدة منذ إعلان ترامب يوم 2 أبريل. كما بدأت موانئ الساحل الغربي الأمريكي في التأثر، ويتوقع أن تتفاقم الأضرار على الساحل الشرقي نتيجة تراجع الطلب على المنتجات الصينية وبالتالي انخفاض عدد الحاويات، حسب ما نقلته شبكة “سي إن بي سي” الإخبارية. وسجلت شركة “سي إنتلجينس” انخفاضاً تراكمياً بلغ 261,822 حاوية مكافئة خلال الأسابيع الستة الماضية على خط آسيا-الساحل الشرقي لأمريكا، ما يهدد عائدات قناة بنما التي تعتمد على عدد السفن والحاويات العابرة. وقال بوريس مورينو، نائب رئيس عمليات قناة بنما: “نحو 75% من شحناتنا مرتبطة بالولايات المتحدة، وأي ركود عالمي أو أمريكي سيؤثر علينا لا محالة”. وتُعد القناة واحدة من “عجائب العالم الحديث”، لكنها أصبحت محوراً للتجاذب بين واشنطن وبكين. فقد اتهم ترامب الصين بالسيطرة على موانئ القناة وهدد بإعادة فرض السيطرة الأمريكية، منتقداً الرسوم التي تفرضها بنما، وهو ما نفته بكين وحكومة بنما. وزار وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيجسث مسؤولين في الحكومة البنمية مؤخراً، في وقت صرح فيه مفوض الشحن الفدرالي لويس سولا بأن “بنما باتت تقترب تدريجياً من الصين وتبتعد عن الولايات المتحدة”، مشيراً إلى خسارة واشنطن لعقود بقيمة 20 مليار دولار لصالح بكين والبرازيل. من جهته، قال ريكارتي فاسكيز، مدير قناة بنما، إن القناة تأخذ مخاوف واشنطن بعين الاعتبار نظراً لأهمية الاقتصاد الأمريكي، مضيفاً: “ما يُقال في واشنطن له تأثير عالمي… لكننا نحاول الحفاظ على الهدوء”. وأكد فاسكيز: “لسنا تحت إدارة صينية، ولا نفرق في الرسوم، ولا صحة لما يُقال عن مصرع 38 ألف شخص في بناء القناة. نحن نرحب بالجميع، وهذا هو جوهر معاهدة الحياد”.وفي مارس، أعلنت مجموعة استثمارية بقيادة شركة “بلاك روك” الأميركية عن مساعٍ للاستحواذ على مينائين في طرفي القناة بالإضافة إلى نحو 40 ميناءً آخر من شركة “سي كي هتشنسون” ومقرها هونج كونج، ولا تزال نتائج الصفقة غير واضحة حتى الآن.