نص مقابلة السيد إبراهيم أمين السيد كاملة على قناة المنار

قناة المنار 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

بتول أيوب: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ‏

في زمنٍ تتقاطع فيه نار المؤامرات مع رماد الانتظار، وفي زمن اللامعايير الأخلاقية والقانونية ‏والإنسانية، جرائم الإبادة الصهيونية في غزة مستمرة، ومعها أحلام التوسع الإسرائيلي وتغيير الشرق ‏الأوسط، وسط تواطؤ أو في أفضل الظنون مراقبة عربية. ‏ وحدهم شرفاء هذه الأمة، من اليمن إلى لبنان، ساندوا ودعموا وقدّموا خيرة شبابهم وقاداتهم نصرةً ‏للأقصى.‏ ليظل اسم شهيدنا الأسمى سماحة السيد حسن نصر الله ووجهه المضيء بوصلة كل من ضلّ طريق الحق ‏وطريق القدس، وإن كان غيابه قد هزّ وخلخل خرائط النفوذ في الإقليم وقلوب المحبين والمقاومين. ‏

من بيروت إلى طهران، من غزة إلى صنعاء، من يتقدّم ومن يتراجع؟ من يحاول أن يملأ الفراغ؟ أي شرق ‏أوسط يتشكل ووفق أي معايير؟ لماذا حمل السيد لواء القدس؟ وكيف عايش رفاق دربه لحظة الاستشهاد؟ ‏بماذا عاهدوه؟ وهل يعيش حزب الله مخاض ولادة جديدة؟ وكيف سيواجه الضغوط والحملات الداخلية ‏والخارجية؟ ‏هذه الأسئلة وغير الكثير الكثير من الأسئلة الاستراتيجية نناقشها مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة الاستثنائية ‏مع رئيس المجلس السياسي في حزب الله سماحة السيد إبراهيم أمين السيد. ‏

أهلاً وسهلاً بكم سماحة السيد في هذه الإطلالة، بعد غياب قسري ولأسباب أمنية عن الجمهور وعن ‏الإطلالات، وإن كانت إطلالاتكم الإعلامية شبه نادرة، أهلاً وسهلاً بكم. ‏سماحة السيد، معكم سنحاول في هذه الإطلالة الاستثنائية قراءة معايير الصراع، ما الذي يتغير في المنطقة ‏وكيف يتغير؟ وعلى ماذا ستستقر صورة المنطقة؟ ولكن قبل أن ندخل في كل هذه التفاصيل ونفهمها بفهم ‏حقيقي أو أقرب إلى الواقع، نبدأ معك بالحقبة ما قبل اليوم، بمعنى ما الذي حدث من معركة أولي البأس ‏حتى الآن، كيف قرأتموها وقيّمتموها؟

السيد إبراهيم أمين السيد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً شكرًا لك ‏وللإخوة في المنار على هذه الحلقة. ‏وأود في البداية أن أوجّه تحية إلى الشهيد العزيز والأسمى، شهيد الأمة، الأخ الحبيب السيد حسن، وإلى كل ‏الشهداء، وإلى كل عوائل الشهداء أيضاً. ويحزنني أني لم أتمكن أن ألتقي معهم كما عوّدت نفسي على ذلك ‏في الفترة السابقة. وإن شاء الله يغفر لي هذا التقصير. ‏والتحية للمجاهدين في كل مكان، في كل المواقع، سواء في لبنان أو خارج لبنان، ولشهداء أيضاً لبنان ‏وخارج لبنان، خصوصاً في فلسطين واليمن. والتحية للمشاهدين في لبنان وفي العالم الذي يمكن أن ‏يشاهدنا. ‏

ولا أنسى هنا أن أتوجه بالتعزية لسماحة القائد، وللمسؤولين في إيران، والشعب الإيراني على هذه المصيبة ‏التي حصلت في تفجير الشهيد رجائي.‏

أما بالنسبة للسؤال حول طبيعة معركة أولي البأس، فهي قبل معركة أولي البأس، هي معركة النصرة، أي ‏المساندة والإسناد. أود أن أقول للجميع، للصديق والعدو، أنّ فلسطين هي عرض الأمة، فلسطين هي شرف ‏الأمة، وعرض الإسلام وشرف الإسلام، وعرض الإنسانية وشرف الإنسانية. وما حصل فيها هو مذبحة ‏موصوفة ليس فقط للفلسطينيين، وإنما للإنسانية جميعاً. هذا يعني أن المعركة يمكن توصيفها – بالتوصيف ‏التقليدي – أنها معركة جهادية، دينية، سياسية، ومعركة في سبيل الله، ومعركة العقيدة، يمكن، هذا ‏التوصيف صحيح. لكن في رأيي يجب أن نلتفت إلى أنّ هذه المعركة هي معركة الشرف ومعركة الكرامة، ‏بالإضافة إلى كل ما ذكرت. هي معركة الشرف ومعركة الأشراف، ومعركة الشرفاء في هذا العالم. لأنّ ‏الذي وقف في مواجهة العدو لمساندة فلسطين والشعب الفلسطيني، هو في مقدمة أشراف هذا العالم، وكل ‏الذين وقفوا أيضاً، سواء كان في سلاح أو كان في موقف، هو أيضاً في مقدمة أشراف هذا العالم، وفي ‏مقدمة أهل الكرامة لهذا العالم.‏

وبالمناسبة أحب أن أوجّه تحية لقناة المنار بالذات، وأوجّه تحية لكل السياسيين، وكل الإعلاميين في لبنان، ‏كل من حضر في هذه المعركة، هم من أشراف هذه الأمة، من أي طائفة كانوا، من أي حزب كانوا، حتى ‏لو كان لا عنوان لهم، حضورهم في هذه المعركة هي معركة الشرف والكرامة. ‏
ثانياً، هي معركة التاريخ، يعني في هذه الحرب سيسجل التاريخ، سيسجل التاريخ صفحة فيها مواقف ‏الأشراف وأسماؤهم وعناوينهم وآباؤهم وأمهاتهم وأولادهم وزوجاتهم. هذه صفحة ستُسجل في التاريخ، ‏وهذه صفحة لا تُمحى. وهناك صفحة ثانية في المقابل، يُسجل فيها كل الذين خذلوا وتقاعسوا، وكل الذين ‏فرغوا من أبسط الشعور الإنساني تجاه مذبحة من هذا النوع في فلسطين. ‏تخيلي أنه نحن لم نفعل شيئاً ونحن المقاومة؟ ‏

بتول أيوب: ما الذي كان سيتغير؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: أو أنّ السيد، رحمة الله عليه، لم يفعل شيئاً؟ في أي صفحة سنُسجّل؟ اليوم لم ‏يعد التاريخ يكتبه الطواغيت كما يريدون، اليوم التاريخ يُكتب بشكل صحيح. هناك صفحات يزوّرها ‏المستكبرون، لكن لا يستطيعون أن يزوروا كل الصفحات. فهذا تاريخ، والشهداء وفي مقدمتهم شهيد الأمة، ‏وفي مقدمتهم الشهداء القادة، وكل الشهداء، باعتبار أنّ هذه المعركة معركة التاريخ، سيتلون على أنفسهم ‏ويتلون على الأجيال صفحات هذا التاريخ بحروف من النور الإلهي. فإذن هي معركة من هذا النوع.‏

بتول أيوب: هذه الدماء سماحة السيد، كيف ستُغير معادلات الصراع؟ هل غيّرت أو هل ستُغير معادلات ‏الصراع؟

السيد إبراهيم أمين السيد: الحروب عادة ليست سياحة، ليست فسحة، خصوصاً المعركة التي حصلت، ‏وعلى لسان الجميع، يقولون بشكل ملخص: إنه لو كانت المقاومة غير هذه المقاومة، أولاً لما توقفت ‏الحرب، ولكان وضع المقاومة غير الوضع الذي هو فيه. لكن المقاومة كانت أشبه بمعجزة، صمودها، ‏ثباتها، قوتها، انتصاراتها. والانتصارات تُحسب ليس بالخسائر، تُحسب بالنتائج. ما كان يريده العدو ‏الإسرائيلي أن يُحقّقه، المقاومة منعته.‏ أنا أقول إنّه قيل هذا الكلام سابقاً من كثير من الإخوة، لكن دعيني أكمل من النقطة الأولى قليلاً. ‏

عظمة كربلاء كلها في أنها معركة الكرامة، ومعركة الشرف. “هيهات منا الذلة”، يعني كربلاء معركة ‏الكرامة. “لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أُقر إقرار العبيد”، هذا يعني أن كربلاء معركة الكرامة. ‏وحينما تكون كربلاء معركة الكرامة، هذه المعركة تستحق أن يُضحّي فيها حتى بالحسين بن علي. فإذا ‏كانت المعركة معركة شرف وكرامة، فيكون من أعلى مراتب الشرف الذين يُستشهدون في هذه المعركة، ‏وأعلى مراتب الكرامة أن يستشهدوا في معركة الشرف والكرامة، خصوصًا الأئمة عليهم السلام يشيرون ‏إلى هذا “إنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا على الله الشهادة”. فإذًا الشهادة هنا ليست خسارة، الشهادة هنا وسام، ‏الشهادة هنا نعمة، الشهادة هنا عطاء إلهي وشرف إلهي، حتى لو كان عدد الشهداء يُؤلم، حتى لو كان عدد ‏القادة يؤلم، حتى لو كان الشهيد هو السيد حسن يُؤلم. لكن تخيّلي أنّ السيد حسن يموت على الفراش؟ كم ‏كانت هذه الحسرة في قلبه وقلبنا. لكن أن نتألم حينما يُستشهد رجل من هذا النوع، هذا دليل على عظمة هذه ‏المعركة في أنها معركة شرف وكرامة.‏

بتول أيوب: استراتيجياً، ومفهوم معركة الشرف، وكيف تُقاد هذه المعركة، والتضحيات التي تُقدم فيها، ‏هي فخر للأمة، وهي مدرسة للأجيال القادمة. ولكن إذا أردنا أن نتحدث بالمحصلة، بالمعادلات، نتحدث ‏عن ما زال طوفان الأقصى ومعركة الإبادة في قطاع غزة مستمرة. ما تحقّق من نتائج على الساحة ‏اللبنانية، أردتم أن لا تدخلوا بها، لأنه فُسّرت كثيراً مفاهيم النصر والهزيمة، وبأي معايير يَقرأ حزب الله ‏والمقاومة أنهم حققوا النصر، وعن الذي تحقّق في سوريا نتيجة إزاحة نظام والإتيان بنظام آخر، ونحن ‏أمام مشروع إسرائيلي يتحدث عنه بنيامين نتنياهو، هذا المشروع التوسعي لتغيير الشرق الأوسط. ‏
معكم سماحة السيد، لو نُلقي نظرة على هذا الواقع، وكيف يتحرك هذا الواقع، حجارة الدومينو كيف ‏تتحرك، وبأي اتجاه؟ وكيف تقرؤون أنها ستستقر؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: أولاً، ليس في المنطقة فقط، وإنما في العالم، يوجد صراعات متعددة بعناوين ‏مختلفة، تارة عسكرية، تارة تجارية، وتارة اقتصادية، وتارة سياسية. ويوجد تهديدات هنا وتهديدات هناك ‏في العالم. في نفس الوقت، يوجد مسارات من تسويات وصفقات. في المنطقة أيضاً نفس الشيء، لكن بوابة ‏المنطقة هي فلسطين، إلى الآن غير واضح على أي وضع ستنتهي الحرب في فلسطين، وبالتالي غير ‏واضح على أي وضع ستستقر فيه المنطقة. هذا لا يعني أن نجلس جانباً ونتفرج وننتظر، وإنما هذا يعني ‏أننا أمام ظروف ومعطيات وتطورات وأحداث، ينبغي أن نكون فيها أقوياء حتى لا يبتلعنا الحيتان ‏الموجودة في هذا العالم.‏

لكن أحب أن أطمئن الإخوة والأجيال والشباب، هناك مصطلح يستعملونه عادة، الذين يتحدثون في السياسة ‏في لبنان، اسمه الديناميكية، هذا المصطلح لا أريد أن أستعمله كثيراً، لكن أريد أن أوضحه، حركة التغيير ‏الدائمة، وحركة التحولات الدائمة، في القرآن الكريم يوجد إشارات لهذا الموضوع، للحركة الدائمة ‏المتواصلة. ماذا يعني حركة دائمة؟ أي لا يستطيع الإنسان أن يعتبر أمام حدث معين أنه انتهى الموضوع، ‏انتهى الموضوع هذا شيء في قانون التاريخ غير موجود. في القرآن الكريم، يوجد بعض الآيات تشير لهذا ‏الموضوع. مثلاً “تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ”، شاهدي الحركة، شاهدي التحول. “وَتُعِزُّ ‏مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ”، إذاً من يمكن أن يكون عزيزاً في لحظة يمكن أن يكون ذليلاً في لحظة ثانية، ‏والذي يمكن أن يكون قوياً في لحظة يمكن أن يكون ضعيفاً في لحظة. “وَيُهْلِكُ مُلُوكًا وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ”، ‏هذا يتعلق بالديناميكية. “إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ”. الله سبحانه وتعالى في حركة ‏التاريخ وضع سُنناً من هذا النوع، حتى يقول لنا ولغيرنا: لا تيأسوا، لا تيأسوا، حتى لو تكالبت عليكم الأمم، ‏لا تيأسوا لأن التغيير والتحولات لا تعرفون بأي لحظة تكون.‏

من ضمن هذه السُنن، هناك آية تُضيء قليلاً: “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ”، يعني حركة التحولات في ‏المنطقة أو في العالم، البشر ليسوا العنصر الذي يقف ويتفرج ماذا يفعل الله سبحانه وتعالى في هذه ‏المنطقة، وإنما من ضمن هذه السُنة أنّ الإنسان له الدور الجوهري والأساسي في حركة التغيير وحركة ‏التحولات.‏

الذي أحب أن أقوله هنا، هذه الحركة لا يمكن أن تبقى كما هي، لا يمكن. وهذه الحركة لا يمكن أن تُهزم، ‏ولا يمكن أن تسقط، لأنّ هذه سُنة إلهية، لأنّ هذا مرتبط بالصراع بين الحق والباطل، لا يمكن، لا يمكن، يا ‏إخوان، اسمعوني، لا يمكن أن ينتهي الصراع لمصلحة الباطل، لا يمكن. يعني لا يمكن أن تقف حركة ‏التغيير والتحولات لمصلحة الباطل، ويمكن أن تنتهي لمصلحة الحق في آخر الزمان، وليس الآن. فإذا ‏التزمنا بقانون التحولات والتغيرات من ضمن القانون الإلهي، فهذا يعني أنّنا دائماً يجب أن نكون على ‏استعداد، ولا تُسقطنا القوة الظاهرية الموجودة في هذا العالم، أو المؤامرات، أو الفتن، أو ما يشبه ذلك.‏

في التاريخ، الذي قاد حركة التحولات في المجتمعات البشرية هم الأنبياء والرسل والأولياء. الأنبياء ‏والرسل والأولياء، ثم يأتي الصالحون مثل ما يُسمّونهم في القرآن الكريم. هم يقودون، ولكن هم أنفسهم ‏كانوا قلّة، هم أنفسهم كان أنصارهم قلّة، وهم أنفسهم كانوا يُعبروا عنهم بالأراذل، فرعون عبّر عن موسى ‏بالمهين، أو أراذلنا؟ هكذا كانوا، لكن في النهاية على يدهم تغير العالم، هذه الفئة الصغيرة المنبوذة على مدى ‏كل هذا التاريخ، هم حققوا هذه النتائج.‏

ما أريد أن أقوله هنا، أنّ سماحة السيد هو واحد من الرجال الصالحين، الذي قاد حركة التحولات والتغيير ‏في هذه المنطقة، بالشروط التي يريدها الله تعالى، وبالشخصية التي يريدها الله تعالى، وما شاهدناه من ‏شخصية، أو من علاقة، أو من مواقف، أو من إطلالات، أو ما يشبه ذلك، بالنسبة لي هو يدل على أنه ‏واحد من الذين وصفهم القرآن الكريم بالصالحين ليقودوا حركة التغيير والتحولات في هذه المنطقة.‏ بناءً على هذا، أنا ليس عندي قلق، أنا ليس عندي خوف، الفئة المؤمنة تمتلك من عناصر النصر أكثر بكثير ‏مما يمتلك أهل الباطل من وسائل النصر. ‏

بتول أيوب: اسمح لي، سيد، أن أسألك عن عناصر النصر أو عناصر القوة. يعني هناك من يسأل، مُني ‏جسم المقاومة في لبنان بخسائر على مستوى القيادة، بخسائر مادية، بخسائر على المستوى العسكري، ‏خسائر لا تعوّض، وإن كان هذا شأن آخر يُعمل على إعادة الترميم للبُنيان. ولكن ما هي؟ نحن نتحدث اليوم ‏في هذا الشرح الفلسفي الديني الذي تفضلتم به حضرتكم، إذا أردنا أن نتحدث عن عناصر القوة، استعراض ‏عناصر القوة، أو تسميها حضرتك عناصر النصر، ما هي هذه العناصر؟

السيد إبراهيم أمين السيد: أولاً هناك عناصر ظاهرية، بالعناصر الظاهرية يمكن أن تكون ليس بيننا ‏وبين الإسرائيلي، بين أية قوة وقوة أخرى، يمكن أن يكون هناك تفاوت بالعناصر الظاهرية. ماذا يُقصد ‏بالعناصر الظاهرية؟ يعني مثلاً السلاح، كمثال، يمكن أن يكون هناك طرف متفوق، إذا كانت القوة هي ‏العنصر الوحيد في المعركة فأقول إن إسرائيل منتصرة على كل عالم في المنطقة. لكن عناصر القوة ليست ‏فقط السلاح. نحن في عام 2000 انتصرنا بتفوقنا العسكري؟ في 2006 انتصرنا بتفوقنا العسكري؟ الآن ‏هل انتصرنا بتفوقنا العسكري؟ لا، هناك عناصر أخرى، أسميها بمضمونها، أهم عنصر في الحرب هو ‏الإنسان، ماذا يحمل هذا الإنسان في قلبه؟ ماذا يحمل من عقيدة، من إيمان، من يقين، من قناعة، من ‏شجاعة، من إرادة، من ثبات، من طهر، من صفاء، من رغبة؟ أنا أعرف شبابًا في الحرب في أصعب ‏الظروف كانوا يبكون لماذا لا يذهبون؟ كانوا يتدخلون حتى أقوم لهم بوساطة معينة حتى يذهبوا للقتال، أين ‏موجود في العالم هذا؟ ‏

الآن، بالرغم من كل ما يقال في لبنان، الآن نحن حاضرون إذا فتحنا باب التطوع للمقاومة، من يبقى من ‏شباب هذا الجيل خارج التطوع؟ بالرغم من أنّ هذه المعركة ألحقت بنا أضرارًا كبيرة، الخوف الإسرائيلي ‏من المقاومة ليس من سلاحها، الخوف من إنسانها، وهذا الإنسان كلما قُتل كلما أصبح أقوى. لأنه في ‏التاريخ، إذا أردت أن أتحدث عن التاريخ من كربلاء إلى الآن، الشهادة لا تكسر، والشهادة لا تهزم، الذي ‏يُهزم هم الأذلاء والخاضعون، أما الشهداء فهم طريق من طرق القوة والنصر.‏

العنصر الثالث، لا أقول إن السلاح ليس لديه أهمية، لا، السلاح لديه أهمية. ماذا حدث في المعركة؟ ‏المقاومة استطاعت أن تكتشف نقاط ضعف العدو عسكريًا، أنا لا أتحدث عن اليقين والإيمان، وتركيز ‏المقاومة على العدو في نقاط ضعفه كان لها إيلام كبير لهذا العدو، أو لماذا هو حريص الآن ألا يكون ‏السلاح مع المقاومة؟ ما دام نحن بالنسبة لإسرائيل لا نُساوي أي شيء على مستوى السلاح، لماذا الإصرار ‏أن المقاومة لا بكون معها سلاح؟ أنت مع كل هذا السلاح وخائف من سلاح المقاومة؟ ما هو قيمة سلاح ‏المقاومة أمام سلاحك؟ هو لا ينظر إلى السلاح، إنه ينظر إلى من يملك السلاح، هو خائف ممن يمسك بهذا ‏السلاح.‏

هذه عناصر النصر. وإذا استحضرنا شواهد تاريخية، حتى مع الأنبياء والرسل، برأيي لا توجد معركة ‏انتصر فيها المسلمون بسبب قوتهم العسكرية، أبدًا، كل الانتصار كان بقوتهم العسكرية، لكن الأساس هو ‏الإنسان وإيمانه ويقينه. ‏

بتول أيوب: كي نوضح أكثر سماحة السيد، عندما تتحدث عن قوة الإنسان، تتحدث عن قوة المقاتل المؤمن ‏الذي يريد أن يتطوع في العمل المقاوم، أم تتحدث عن البيئة؟ يعني علمًا أنه في هذه الحرب، بخلاف حرب ‏تموز، أو إلى جانب حرب تموز وحرب التحرير عام 2000، برز دور فاعل وأساسي، بل ومتقدّم على ‏القيادات السياسية، إذا صح التعبير، بين قوسين هذا الاستنتاج، ولكن بيئة المقاومة ظهرت بشكل فعّال ‏ومتقدم وبشكل لافت. ألا يُعتبر هذا من عناصر القوة؟ من عناصر النصر؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: بهذه النقطة، ليس فقط إسرائيل، إسرائيل وغير إسرائيل، بدون أن أسمي، ‏فشلوا في التأثير على البيئة. ‏بالنسبة للبيئة، أقول كلمتين، تحضرني آية في القرآن الكريم: “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى ‏الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ”، قيمة هؤلاء كانت في ذاك الوقت، أنهم وصلوا إلى أنهم صاروا إلى جانبه. أنا أقول، ‏بيئة المقاومة في لبنان أصبحوا أمامنا، وليس إلى جانبنا، أصبحوا مستقبلنا، أولادهم مستقبلنا. لا أحد ‏يستطيع أن يخاف على المقاومة أو يقلق على المقاومة، إذا أطفال هذه البيئة يحبون السيد حسن، أي يحبون ‏المقاومة. هذه بيئة فريدة، أنه كيف بيئة تصبح أمام الحزب؟ أنا أقول للإخوان في الحزب، تعاطوا مع هذه ‏البيئة على أنها أمامكم وليس وراءكم. ‏

هذا غير موجود، على الأقل في العصر الحديث، أنّ بيئة تستطيع أن تقف وتتخذ مواقف وتصمد وتثبت ‏وتقف في وجه آلة القتل والدمار، وبنفس الوقت – الله أكبر – أن تقف امرأة في وجه الدبابة الإسرائيلية ‏وتستشهد، هذه ليست فقط المقاومة، هذه المقاومة وروح المقاومة ومستقبل المقاومة. إنّ بيئة فيها امرأة من ‏هذا النوع لا خوف على مستقبلها.‏

لفتني بالمناسبة، لو أستطيع أن أُحضرهم أريد أن أضعهم كلوحات، الطفلة التي حملت أختها في فلسطين، ‏إذا أحد يسأل ما هي فلسطين؟ أقول له هذه فلسطين. وإذا سأل أحد عن المقاومة في لبنان، أقول له انظر إلى ‏المرأة الشهيدة التي وقفت في وجه الدبابة. هذه بيئة عملت تأمين للمقاومة ولمستقبل المقاومة. ‏

بتول أيوب: هل أنتم مطمئنون على هذه البيئة؟ بالرغم من كل الضغوط التي تتعرض لها؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: نحن غير مطمئنون على البيئة، نحن مطمئنون علينا بالبيئة. ‏

بتول أيوب: على المقاومة مع هذه البيئة. ‏ولكن خصمكم، الإسرائيلي والأمريكي، يعملون على تدمير أو على كي وعي هذه البيئة، العمل ليل نهار ‏على بث دعاية الهزيمة، وأن زمن المقاومة ولّى، وأن مفهوم المقاومة لم يحدث أي تغيير، وأن هذا السلاح ‏لم يُحرز النتيجة المتوخاة منه، وأنه لا إعادة للإعمار ولا إعمار، بل هو عمل على إفقار هذه البيئة ‏ومحاولة عزلها. هل كل هذه المؤامرات أو هذه المكائد التي تُحاك على هذه البيئة بالرغم من ذلك أنتم ‏مطمئنون؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: باختصار شديد، الداخل في لبنان يمكنهم أن يأخذوا المواقف التي يريدونها، ‏وهم يأخذون المواقف التي يريدونها. لكن فيما يخص البيئة، لم يُخلق بعد في لبنان من يمد يده على هذه ‏البيئة، لم يُخلق بعد، هذه البيئة لا تُمس، وهذه البيئة هي تاج الرأس وتاج رؤوسنا، وشرفنا وعِرضنا ‏وكرامتنا. الآن واحد يتحدث هكذا وآخر يتحدث هكذا، نحن نتركهم يتحدثون كما يريدون، لكن البيئة ‏موضوع آخر. بكل الأحوال البيئة جميلها كبير، والبيئة كتبت، كتبت أن الحزب ليس تنظيمًا، وهذه ميزة ‏حزب الله، الحزب ليس تنظيمًا. إذا هناك أحد في الحزب يتعاطى مع البيئة على أنه تنظيم يكون مخطئًا جدًا، ‏لأن البيئة هي نفسها حزب الله، وحزب الله هو نفس هذه البيئة. يمكن أن يكون هناك، وأفترض أن يكون ‏هناك، أنا لا أملك إشارات لأحد، لكن أفترض أن يكون هناك أشخاص يظنون أنفسهم أكبر من هذه البيئة، ‏لا، هذه البيئة أكبر منهم. ‏

بتول أيوب: أي أنتم مطمئنون أن هذه البيئة، بالرغم من كل الضغوط عليها، وسآخذ منك موقف واضح ‏بشأن موضوع أموال إعادة الإعمار. تواصلكم مع العهد… ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: بالنسبة لنا هذا واجب، واجب مؤكد. بالنسبة للدولة هذه مسؤولية.‏ نريد أن نعمل على ثلاثة خطوط: خط نحن، وخط أصدقائنا – ما يمكن أن يساعدوا – وخط ثالث له علاقة ‏بالدولة، لنرى إلى أين نصل بموضوع الإعمار. ‏

بتول أيوب: أصدقاؤنا في الداخل أو في الخارج؟

السيد إبراهيم أمين السيد: في الداخل وفي الخارج، من كل من يمكن أن يساهم في إعادة الإعمار، وهناك ‏دول تعلن استعدادها، ولو معنا، يعني ليس بالضرورة في الإعلام. والدولة عليها واجبات يجب أن تقوم بها. ‏لكن حجر الزاوية في الموضوع هو الدولة، ليس نحن ولا الخارج. هذا الإخوان النواب والوزراء وكل ‏المسؤولين المعنيين بالعلاقة مع السلطة يعملون في هذا الاتجاه.‏

بتول أيوب: أنتم مطمئنون، هناك بعض العراقيل ولكن ليس أنه ممنوع بشكل نهائي؟

السيد إبراهيم أمين السيد: لا أستطيع أن أقول أنا مطمئن، أنا أقول هذا هو المسار الذي يجب أن نسلكه، ‏كم سنحقق منه؟ هذا متروك للمستقبل. ‏

بتول أيوب: وإن كان سمحتكم، انفعلتم على موضوع المس بالبيئة بموضوع أموال إعادة الإعمار، فهنا ‏السؤال عن ربط أموال إعادة الإعمار بالسلاح، هنا لا أعرف كيف ستكون ردة الفعل؟

السيد إبراهيم أمين السيد: هذه مقولة مطروحة في زوايا من الساحة السياسية، لكن ما نسمعه من ‏المسؤولين المعنيين غير هذا الكلام، لذلك لا يمكننا أن نحمل الدولة مسؤولية من يتحدث بهذه اللغة. نحن ‏معنيون بأن نُكمل نحن والدولة في مسار قيام الدولة بمسؤوليتها اتجاه إعادة الإعمار. ‏

بتول أيوب: بموضوع الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، تتحدث عن أجواء إيجابية في الخطاب أو في ‏المحادثات بينكم وبين العهد مختلفة عمّا يتم نقله في الإعلام. في ما خصّ الاستراتيجية الدفاعية أو في ما ‏خصّ سلاح المقاومة؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: على كل حال هذا الموضوع، سماحة الأمين العام تحدث فيه. قبل نقاش ‏الاستراتيجية الدفاعية، هناك أشياء كثيرة يجب إنجازها، قبل تحقيق هذه الإنجازات، هذه القضايا، لا يمكننا ‏أن نذهب إلى نقاش الاستراتيجية الدفاعية وإسرائيل ما زالت تحتل بعض النقاط وتريد أن تأخذ مناطق ‏أخرى أيضًا.‏

ثانيًا، على أي شيء سيستقر الوضع الفلسطيني حتى نُناقش الاستراتيجية الدفاعية؟ لا يوجد منطق. فهذه ‏الأمور بعد وقت، الانسحاب الإسرائيلي من النقاط، الموضوع الفلسطيني، نريد أن نرى الوضع الذي تتجه ‏إليه المنطقة في النهاية. نحن منفتحون على الحوار ولسنا ضد الحوار. لكن الحوار في ظل احتلال إسرائيلي ‏وعدوان يومي إسرائيلي، هذا له معنى وله دلالة، وحينما ينتهي هذا الاحتلال أو هذا العدوان، فله دلالة ‏أخرى. نحن لسنا مستعدون أن نذهب إلى حوار ضمن الدلالة الأولى للموضوع. ‏

بتول أيوب: سماحتكم، إلى أي مدى، وأنتم تترقبون وتتابعون الأحداث في الإقليم والأحداث في المنطقة، ‏وتحرصون على استقرار هذا البلد، إلى أي مدى يُقلقكم المشهد في سوريا، إذا ما أخذناه من زوايا بعض ما ‏حدث في الساحل السوري، وما يحدث مع الإخوة الدروز في سوريا، التدخل الإسرائيلي، كيف يقرأ حزب ‏الله هذه المؤشرات؟ وإلى أي مدى ينتابه القلق من أن تنتقل إلى لبنان؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: سوف أذكر شيئًا واحدًا، القلق الكبير مما يجري في سوريا هو الأطماع ‏الإسرائيلية في سوريا، ومن ضمن هذا القلق، كيفية مواجهة هذا التدخل الإسرائيلي في سوريا، لأنه غير ‏مقبول حتى عند السوريين أن يقبلوا باستباحة إسرائيل لبلدهم، هذا غير مقبول. هم يتحدثون اليوم، يتحدثون ‏عن علاقة سوريا بمنطقة معينة من السويداء إلى منطقة الأكراد. ‏ثانيًا، وزير المال الإسرائيلي يقول: “ستنتهي الحرب عندما تنتهي قصة حماس في غزة، وحينما نفكك ‏سوريا”، هذا ما نحن قلقون منه. ‏

الموجودون في سوريا، ما هي استراتيجيتهم؟ أنا لا أعرف. إذا كان هناك قلق، هناك قلق على هذا ‏الموضوع. ما يحدث في سوريا يؤكد مصداقية المقاومة في لبنان، ويجب أن ينظر اللبنانيون إلى الأطماع ‏الإسرائيلية في سوريا وينظروا إلى ضرورة وأهمية المقاومة في لبنان. ‏

بتول أيوب: العمل على الفتنة، إلى أي مدى لبنان محصن في هذه المرحلة من الفتنة؟ شاهدنا نحن الأحداث ‏عند الإخوة الدروز في الأيام الماضية، هي نتيجة الفتنة والتحريض. لبنان، مع اشتداد حدّة الخطاب بين ‏بعض المكونات، باتجاه عموم اللبنانيين وتحديدًا المقاومة، إلى أي مدى تعتقد أننا محصنون في هذا البلد من ‏أي فتنة يعمل الإسرائيلي عليها؟

السيد إبراهيم أمين السيد: هناك كلمتان في البداية أريد أن أقولهما، الوضع الطبيعي في لبنان يفترض أن ‏يكون الاستقرار في لبنان، هذا هو الطبيعي. الوضع الطبيعي في لبنان، باعتبار أن لا المسلمين يريدون ‏إلغاء المسيحيين، ولا المسيحيين يريدون إلغاء المسلمين، فإذًا قدرنا الطبيعي أن نكون مع بعض. وحتى ‏نكون مع بعض نحتاج لاستقرار دائم. يجب ألا نُكثر العناوين لِنلتقي مع بعض، يمكننا أن نضع عدة عناوين ‏يُتيحون لنا اللقاء مع بعض، الكرامة الوطنية والسيادة الوطنية يمكننا أن نجتمع عليها، لكن هذا أرضيته ‏الاستقرار الدائم. لذلك، موضوع العمل أو استراتيجية أي طرف في لبنان، لديه استراتيجية عدم التعايش ‏بين المسلمين والمسيحيين، أي أنه يضرب الاستقرار في لبنان، ولكن ضرب الاستقرار في لبنان ليس ‏لمصلحة أحد.‏

بتول أيوب: ما مصلحة الأمريكي؟ هل مصلحته الفوضى في البلد؟ أم الاستقرار في لبنان؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: لا يظهر لدي في المواقف الأمريكية حول هذا الموضوع أنّ لديه مصلحة في ‏الفوضى في لبنان، ولو كان لديه مصلحة في الفوضى لكان فعلها منذ زمن، وهناك لبنانيون أمريكيون ‏بواجهة لبنانية، يعني يتحدثون باللهجة اللبنانية، ويستطيعون أن يُحدثوا هذه الفوضى، لكن هذا لم يحدث.‏ أنا لا أبرّئ، لكنني أتكلم بموضوعية، لم ألحظ أي إشارات أمريكية تُحرّك الأمور نحو أن يكون هناك ‏فوضى. ماذا تعني الفوضى؟ تعني أن هناك حرباً أهلية. لم أرَ شيئاً كهذا في الموضوع. وإن كان بعض ‏اللبنانيين يوحي بأن الأمريكيين يريدون ذلك، وقد لا يكون صحيحًا.‏

بتول أيوب: هذا دور دعائي لبعض الأدوات في الداخل اللبناني. إلى جانب الكلام عن سيناريو الفوضى أو ‏الحرب الأهلية، هناك من يقرأ المعادلة في لبنان بطريقة مختلفة، أنه على هامش أو على جانب الحوار ‏الإيراني الأمريكي، أعطي تفويضاً للإسرائيلي بإتمام المهمة في لبنان عسكرياً، لأن بعض الأدوات في ‏الداخل غير قادرين على القيام بهذه المهمة. هل تقرأ ذلك بهذه الطريقة؟

السيد إبراهيم أمين السيد: أنا رأيي وقد كتبته، أنّ هناك احتمال أن يُصعّد الإسرائيلي في لبنان، كما ‏يُصعد الآن للتشويش على المفاوضات الأمريكية الإيرانية. حسب ما صرّح الإسرائيليون، هم غير ‏مرتاحين كثيرًا لمسار المفاوضات، خصوصاً أنّ ما يُعلن عن أجواء المفاوضات من الطرفين، من الطرف ‏الأمريكي والإيراني أن الأجواء بنّاءة، والأجواء جدية، وممكن الوصول إلى اتفاق في وقت قريب. هذا قد ‏لا يكون في مصلحة الإسرائيلي، لديه أطماع تتعلق بشيء آخر. ‏
ما يحصل حالياً في المفاوضات، أنا لست متشائماً، وأنا أقرب إلى التفاؤل، وهذا الموضوع كما قال وزير ‏الخارجية الإيراني، أنّه إذا كان الأمريكي جدياً بأنه لا يكون عند إيران سلاحًا نوويًا فيمكن الوصول ‏بسرعة إلى الاتفاق. هذا سيُلقي بثقله على المنطقة، لكن لا نتوقع أشياء سريعة وكبيرة، سيُلقي بثقله على ‏مهل.‏

بتول أيوب: أي ليست الخطوة لترتيب الملفات والتفاوض عليها؟

السيد إبراهيم أمين السيد: هم حصروا المفاوضات بالاتفاق النووي، وليس هناك مانع، كما أُعلن، لا ‏يوجد مانع لدى إيران أن تُفاوض أو تُناقش أي ملف من ملفات المنطقة. ‏ ما يهمني في هذا الموضوع هو نقطتان: نقطة لها علاقة بموضوع المفاوضات، ونقطة تُعيدني قليلاً إلى ‏الوراء. ‏
من أجمل وأهم نتائج المفاوضات – إن شاء الله إذا نجحت – هو على صعيد الجمهورية نفسها، ماذا يعني ‏هذا؟ هناك في القرآن الكريم كلمات دائماً تُذكر عندما يتحدث عن المسيح عليه السلام: “وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ‏وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ”.‏

هناك ثورة حصلت في إيران بإذن الله وليس بإذن المستكبرين. أصبح هناك دولة في إيران فبإذن الله وليس ‏بإذن المستكبرين. وحصل تقدم في إيران وتطور فبإذن الله وليس بإذن المستكبرين. هذا نموذج سيكون له ‏تأثير كبير في العالم، أن هناك دولة استطاعت أن تصنع كل ما تصنع بإذن الله وليس بإذن المستكبرين. لأن ‏الجو السائد في العالم، ولا يزال قائماً أنك إذا أردت أن تعمل تنمية فيجب أن تقوم بها من خلالي، إذا أردت ‏أن تتقدم فيجب أن تتقدم من خلالي، أي بإذني. الدولة في إيران هي الدولة الوحيدة الموجودة في هذه ‏المنطقة التي تتقدم وترتفع وتعلو لكن بإذن الله وليس بإذن المستكبرين.‏

النقطة الثانية بالنسبة للدول العربية والإسلامية، ما قاموا به تجاه المذبحة في فلسطين مشكورون عليه، لكن ‏إذا كانت هذه هي قدرتهم، فهذه مصيبة، إذا كانت هذه هي قدرتهم لمنع المذبحة في فلسطين فهذه مصيبة ‏كبيرة. ‏

بتول أيوب: ماذا فعلوا؟ ماذا قدّم وفعل العالم؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: ما فعلوه، على قدر ما فعلوا مشكورين.‏ لكن إذا إلى هذا الحدّ يفعلون فقط، فهذه مصيبة، إذا إلى هذا الحدّ قدرتهم، فهذه مصيبة، إذا إلى هذا الحدّ ‏أوراقهم، فهذه مصيبة، ليست مصيبة علينا، مصيبة على الأمة كلها، ومصيبة عليهم هم، لأنه إذا انتصرت ‏إسرائيل في فلسطين، فالتهديد عليهم مباشرة. فأنا أنصحهم أن يعيدوا النظر في استراتيجية المواجهة مع ‏العدو الصهيوني في فلسطين، من أجل مصلحتهم ومن أجل حماية أنفسهم، وليس من أجل حماية ‏الفلسطينيين.‏

بتول أيوب: النقاش معك والأفكار ما شاء الله سماحتكم غزيرة، ولكن الوقت بدأ يداهمنا. عندما نتحدث عن ‏مستقبل هذه الأنظمة العربية، يقابلك منطق التطبيع، هم يعيشون زمن التطبيع وتوسيع اتفاقات إبراهام؟

السيد إبراهيم أمين السيد: هناك كلام لنتنياهو قديم قليلًا، يتحدث مع السعودية، يقول عندما ننتهي من ‏فلسطين، حينها سيأتون هم ويتحدثون معنا لنطبّع مع إسرائيل. أنا أنصحهم، أنّ هذا ليس تطبيعًا بين ‏طرفين، هذا تسلّط طرف على طرفٍ آخر، هذا ليس تطبيعًا، لا نجمّل الألفاظ، التطبيع مع إسرائيل يعني ‏التسلّط الإسرائيلي على دول المنطقة، نقطة على السطر. ‏

بتول أيوب: هناك محور أساسي حاولت حضرتك أن تتحدث عنه في آخر هذا اللقاء، سماحة السيد. قبل أن ‏آتي لهذا المحور المتعلق بالشق الشخصي مع سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه. أريد أن ‏أختم الملف اللبناني من ناحية ما هي رسالة رئيس المجلس السياسي في حزب الله، سماحة السيد إبراهيم ‏أمين السيد، لجمهور المقاومة وللعهد؟

السيد إبراهيم أمين السيد: بالنسبة لجمهور المقاومة، هم لا يحتاجون إلى من يتحدث معهم كثيرًا، ما شاء ‏الله عنهم، واعون وأهل بصيرة ولا يهتزّون. لكن أريد أن أقول لهم، لا يتأثروا كثيرًا بالإعلام، هذا الإعلام ‏الموجود في لبنان لا يعبّر عن الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني، وأنا أتحدث عن اطلاع وليس بالسياسة، ‏يجب أن يعتبروا أنّ الشعب اللبناني يحب المقاومة ويفتخر بالمقاومة ويعتز بالمقاومة، ولولا الظروف ‏الضاغطة من قبل بعض السياسيين في لبنان أو التهديدات الخارجية، لكنّا رأينا تعبيرات الشعب اللبناني ‏تجاه المقاومة أفضل بكثير مما هي عليه الآن. على كل حال، لا يعيروا اهتمامًا لوسائل الإعلام أو لبعض ‏وسائل الإعلام، لأنّ هذه وسائل إعلام أجنبية بلغة لبنانية، لا يعطوها اهتمامًا. ويجب أن يُبنوا على أنّ ‏الشعب اللبناني يفتخر بهذه المقاومة، ولا يجرّهم هذا الإعلام، لا يُجر شباب المقاومة إلى اتخاذ مواقف ‏عدائية أو ما يُشبه ذلك تجاه ما يظهر في الإعلام، وكأنّ هذا هو الشعب اللبناني، لا، الشعب اللبناني ليس ‏كذلك. ولو كنت أستطيع أن أذكر أمثلة، لقلت. ‏

لكن سأقول شيئًا، حتى القوى السياسية التي تُظهر عداءً واضحًا ضدّ المقاومة، هناك شعب عند هذه القوى ‏السياسية تفتخر بالمقاومة.‏

أما للعهد، كلمتان، أولًا، تحية لرئيس الجمهورية، إن شاء الله يسمعني بهاتين الكلمتين. هناك حديث شريف ‏منقول، أي حكمة منقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام، لن أقولها بالتفصيل، سأذكر واحدة منها. يقول ‏الإمام: “خمسة ينبغي أن يُهانوا” – الأول والثالث والرابع والخامس لا أريده – الثاني، مِن الذين ينبغي أن ‏يُهانوا، يقول: “المُتأمّر”، أي الذي يعطي أمرًا، “المُتأمّر على صاحب البيت في بيته”، هذا الحديث. سأقول ‏لفخامة الرئيس، بيتك هو الوطن واللبنانيون أولادك، لا تسمح لأحد أن يتأمّر عليك في بيتك. فقط هذا ما ‏أريد أن أقوله له. ليس أنت من يجب أن يُهان، الذي يتأمّر عليك يجب أن يُهان في بيتك. ‏

بتول أيوب: هل لدى البلد قدرة على تحمّل هذه الضغوط؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: الإهانة لا تحتاج إلى تحمّل، يمكنه أن يتحدث بكامل الدبلوماسية، ويُفهم ‏الطرف الآخر أنه لا يحق لك أن تتحدث معي بهذه اللغة في بيتي، اذهب وتحدث في مكانٍ آخر. ‏

بتول أيوب: ألا تعتقد سماحة السيد أن المنطقة دخلت العصر الأميركي، فكيف في لبنان؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: متى لم تكن في العصر الأميركي؟ المنطقة بدأت تخرج من العصر الأميركي ‏بانتصار الثورة في إيران، لكن عندما كان شاه إيران موجودًا في إيران، كان العصر عصرًا أميركيًا. ‏

بتول أيوب: عندما يُطلب من العهد أن يقف ويقول كلا للولايات المتحدة الأميركية، إذا أردنا أن نتحدث ‏بالأرقام أو بأوراق القوة، ماذا يستطيع عمليًا رئيس الجمهورية أن يفعل؟ ‏

السيد إبراهيم أمين السيد: هذا شأنه على كل حال، هو رئيس الجمهورية وعليه مسؤوليات كبيرة مطلوب ‏أن يقوم بها. أنا أشير إلى نقطة فقط، أن الشيء الذي يتعلق بكرامة اللبنانيين لا يمكن لأحد أن يوجّه إهانة ‏للبنانيين في بيت رئيس الجمهورية، غير مقبول. ‏

بتول أيوب: الوقت داهمنا فعلاً سماحتكم، ولن نختم هذا اللقاء إلا بالتوقف ولو قليلًا، عند لحظات ‏شخصية، أو لحظات عايشتها مع تلقي نبأ استشهاد سماحة السيد حسن، أو كيف تتذكرونه أو تلخّصون ‏مرحلة السيد حسن نصر الله؟

السيد إبراهيم أمين السيد: هذا يحتاج إلى حلقة خاصة. أولًا يجب أن يكون هناك حلقة خاصة لأتحدث ‏عن السيد، لأنها علاقة 40 سنة، وأنا عضو بالشورى ولكن كان شرف كبير لي أنني كنت إلى جانبه. لا ‏يمكنني أن أختصر كثيرًا بالموضوع، سأحكي نقطة واحدة. ‏

هناك آية في القرآن الكريم تقول “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ‏وَسِرَاجًا مُّنِيرًا”، هذه صلاحيات. آية أخرى تقول: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ‏حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”، هذه ليست صلاحيات، هذه كيفية ممارسة الصلاحيات. مثلاً: ‌‏”خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا”، إلى هنا صلاحيات بين الرجل والمرأة، “وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”، هذه ‏ليست صلاحيات، هذه كيفية ممارسة الصلاحيات. ‏

السيد يمتلك الكثير من الصلاحيات، لكن هو لم يمارس صلاحياته مع الناس، هو تعاطى معهم بالحب ‏والمودة والأخوة والرعاية والاهتمام والتفقد، لكن لم يتعاطَ معهم بالصلاحيات، أنه أنا مسؤول الفلاني، أنا ‏عندي هذه المسؤولية، وباعتباري أنا مسؤول يجب أن تعملوا كذا، بكل الوقت الذي كنت معه لم أشعر أنه ‏يستخدم لغة الأمر، استخدم لغة الحب والاحترام واللياقة والحرص على الإخوان. أنا من هذه النقطة – لا ‏أعرف ما الذي يفعله الإخوان – ولكن أريد أن أوجّه للمسؤولين في حزب الله وكلهم يحبون السيد، في ‏علاقتهم مع الإخوان في الحزب أو مع الناس لا تتعاطوا مع العالم بالصلاحية، بل تعاطوا معهم بالرفق ‏والرحمة والمودة، هذه واحدة من شخصيات السيد.‏

أقول في النهاية قصيدة هي عنوانها “كلمات من وجع”: ‏يا حبيب العمر، اسمح لي أن أرسمك لوحة على جدران قلبي، وكلما ينبض قلبي أراك. اسمح لي أن أخبّئك ‏دمعة في عيوني، وكلما رفّ جفني بكاءك. اسمح لي أن أضمك شمعة بين ضلوعي، وكلما أَنّ ضلعي ‏رثاك. اسمح لي أن أزرعك وردة في بساتين الزهور، وكلما هبّ النسيم نشتم شذاك. اسمح لي أن أحملك ‏راية لكل حرّ أبيّ، وكلما مرّ جيل تزوّد من طهر دماك. ‏يا حبيب العمر، أربعون عاماً معاً لم نختلف، ومع سواك اختلفنا في الحب، والخلاف في الحب ذنوب. قد ‏يتوق المرء ليقود الشعوب، لكنك وحدك كنت تقود القلوب. أنا لا أحب الحروب، لكن ما أحب شجاعتك في ‏الحروب. سلام عليك حين تشرق الشمس، وسلام عليك حين الغروب. ‏هل حين قضيت رأيت سيدك الرسول؟ وحينما رضّوا صدرك تذكرت الحسين رضّته الخيول. لقد رحلت ‏سعيداً إلى زمن الخلود، وهم ذهبوا حتماً إلى زمن الأفول. ‏يا حبيب العمر، معك، معك، سأبقى معك، ألامس كفيك وأذرعك وأقبّل وجنتيك ومدمعك، وأردّد اسمك في ‏كل وادٍ ما أروعك، وأقول للزمن الحقود ما أفجعك. سأبقى معك أغنيك نشيداً أو قصيدة، وتأخذنا إلى الأيام ‏المجيدة، وتُلهمنا قيادتك الرشيدة، وتُعلّمنا من الكلمات الفريدة، وتُفرحنا الابتسامات الودودة، ونعيش على ‏الانتصارات السعيدة، ونحمل دمك أمانة إلى الأجيال البعيدة. سأبقى معك، الله معك، الله معك، الله معك. ‏

بتول أيوب: إنًا على العهد إن شاء الله. شكراً جزيلاً لكم سماحة السيد إبراهيم أمين السيد، ودائماً يُقال ما ‏سرّ هذا القائد الصالح، شهيد الأمة، رضوان الله تعالى عليه، الذي زرع المحبة في قلوب النساء والرجال ‏والأطفال والقادة من أمثالكم. هنيئًا له طيب هذا الزرع وطيّب الله أفواهكم بهذه الكلمات وهذا التحليل ‏الاستراتيجي الذي نوّرتنا به سماحتكم على مدار أكثر من ساعة. شكراً جزيلاً لحضوركم.

السيد إبراهيم أمين السيد: شكراً إليك مجدداً، وشكراً لكل المشاهدين والإخوة جميعاً، وأعود وأكرر ‏تحياتي للشهداء وعوائلهم والمجاهدين والجرحى، خصوصاً جرحى البيجر، تحية للكل، والسلام عليكم ‏ورحمة الله وبركاته. ‏

لمشاهدة الحلقة كاملة، اضغط هنا

المصدر: العلاقات الاعلامية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق