تشهد العواصم الأوروبية حراكا دبلوماسيا وأمنيا غير مسبوق، يوشك أن يترجم إلى قرارات جريئة ضد ما بات ينظر إليه كأخطر تنظيم انفصالي مهدد للأمن الإقليمي والدولي، المتمثل في جبهة البوليساريو، حيث وحسب معطيات دقيقة ومؤكدة نقلتها وسائل إعلام مختصة، تتجه دول أوروبية وازنة نحو إغلاق مكاتب الجبهة الانفصالية فوق ترابها، على خلفية الاشتباه الجدي في ارتباطها المتنامي مع منظمات إرهابية دولية، من بينها القاعدة ونصرة الإسلام والجماعات المسلحة النشطة في سوريا واليمن والعراق وحتى إيران. وكشفت التحقيقات الاستخباراتية الأوروبية حسب نفس المصادر عن وجود شبكات معقدة لتمويل وتبادل معدات وتدريبات قتالية، تورطت فيها الجبهة مع جماعات متطرفة، مما أثار قلقا أمنيا متصاعدا دفع حكومات أوروبية إلى إطلاق مشاورات طارئة، حيث ينتظر أن يعقد وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي اجتماعا استثنائيا، في إطار خطة موسعة لمكافحة الإرهاب، ستطرح خلالها قضية البوليساريو كأولوية استراتيجية. وتصاعدت في البرلمان الأوروبي أصوات تطالب بطرد الجبهة ومنعها من التسلل إلى المؤسسات الأوروبية عبر لوبيات معادية للمغرب، حيث تأتي هذه الدعوات بالتزامن مع ضغوط أميركية غير مسبوقة، إذ تروج في كواليس الكونغرس الأميركي مبادرات لتصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي، وهو ما قد يفتح الباب أمام فرض عقوبات على الدول والمنظمات الداعمة لها، وعلى رأسها الجزائر. ويزداد الوضع تأزما في ظل ما أوردته تقارير دولية من معطيات خطيرة عن استغلال الجبهة للفوضى الأمنية في الساحل وشمال إفريقيا لتمويل أنشطتها المشبوهة، بما في ذلك تهريب البشر والسلاح والمخدرات، انطلاقا من مخيمات تندوف، التي حذرت منظمات حقوقية من تحولها إلى بؤر خصبة لتفريخ التطرف العنيف، كما أن تأكيد تورط قيادات من الصف الأول في البوليساريو في أعمال إرهابية، أبرزها حالة عدنان أبو وليد الصحراوي، الذي أصبح لاحقا أحد أمراء داعش في الصحراء الكبرى، يزيد من خطورة هذه التقارير. ولم تستثن التقارير ذاتها البعد الإقليمي والدولي لهذا التورط، بعدما تم توثيق صلات وثيقة بين الجبهة وحزب الله اللبناني، بدعم مباشر من إيران، شملت جوانب التدريب والتسليح والتمويل، كما لم تتردد بعض المصادر في الحديث عن استعمال أسلحة إيرانية في هجمات استهدفت الأراضي المغربية، خصوصا في مدينة السمارة سنة 2023، ما رفع من منسوب القلق الأمني الأوروبي. وفيما تنفي الجبهة هذه الاتهامات، تتساقط تباعا الأدلة التي تثبت انخراطها في شبكة إقليمية عابرة للحدود ذات طابع إرهابي، حيث لم تعد نشاطاتها محصورة داخل تندوف، بل تمددت إلى داخل أوروبا عبر واجهات مدنية مشبوهة، وهي التطورات التي شكلت مادة غنية لتقارير رفعها المغرب إلى الأمم المتحدة وعدة هيئات دولية، مدعمة بالأدلة والوثائق، ما ساهم في إذكاء الاهتمام الدولي بهذا الملف الذي ظل لسنوات طي النسيان. ولم يكن المغرب بمعزل عن هذا الحراك، بل كان سباقا إلى إحباط عدة مخططات عدائية تم التخطيط لها في كواليس لوبيات أوروبية على صلة وثيقة بالبوليساريو، كما لم يفت الأجهزة المغربية تنبيه شركائها إلى خطورة السكوت عن تنامي نفوذ الجبهة داخل التراب الأوروبي، حيث استغلت مكاتبها المنتشرة في بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والسويد لتنفيذ أجندات معادية، مستفيدة من البنى التحتية والحريات الأوروبية. وبات من المؤكد اليوم أن الاتحاد الأوروبي مقبل على قرارات مصيرية في هذا الملف، قد تعيد رسم خارطة التعاطي مع الجبهة الانفصالية، وتنهي مرحلة استغلالها لواجهة "النضال السياسي" لتخفي خلفها أجندات إرهابية عابرة للحدود.