في خطوة غير مسبوقة تعكس تحولا نوعيا في مقاربة الحكومة لظاهرة العنف المدرسي، كشفت وزارة التربية الوطنية عن شروعها في تنفيذ برنامج تجريبي لتركيب كاميرات مراقبة ذكية مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي داخل عدد من المؤسسات التعليمية بمختلف جهات المملكة، وذلك عقب تصاعد مقلق لحوادث العنف داخل الوسط المدرسي، والتي بلغت ذروتها مؤخرا بجريمة قتل أستاذة بمدينة أرفود، ما أحدث صدمة عميقة داخل الرأي العام، وفرض ضرورة التحرك العاجل لضبط الأمن والانضباط داخل فضاءات التربية والتعليم. وأوضح الوزير محمد سعد برادة، في معرض جوابه خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، أن هذه الكاميرات ستكون قادرة على رصد السلوكيات العنيفة بشكل فوري، وإرسال إشعارات تلقائية للمسؤولين من أجل التدخل الفوري والحد من تفاقم الوضع، في مبادرة لا تهدف فقط إلى الردع، بل تنسجم مع رؤية شمولية تروم إعادة الاعتبار للمؤسسة التعليمية كمجال آمن ومحفز على التعلم، بعيدا عن التوتر والخوف، بالإضافة إلى أنها جزء من استراتيجية وطنية تروم أيضا محاربة الهدر المدرسي، الذي لا يمكن فصله عن بيئة العنف، حيث يغادر آلاف التلاميذ فصولهم الدراسية سنويا دون رجعة. وبرغم الأرقام المقلقة التي تشير إلى أن ما بين 15 و20 في المائة من التلاميذ يعيشون في أوضاع اجتماعية هشة قد تقودهم للانقطاع عن الدراسة، إلا أن برادة بدا متفائلا بفعالية النهج الجديد الذي تتبناه الوزارة، والقائم على مقاربة فردانية تستعين بخبرات الأخصائيين النفسيين في إطار شراكات مع جمعيات المجتمع المدني، وذلك لمرافقة التلميذ نفسيا وتربويا داخل محيطه الدراسي، بدل الاكتفاء بالحلول الإدارية أو الأمنية الجافة. وفي معرض حديثه عن مناخ المؤسسات التعليمية، لم يخف الوزير وجود اختلالات عميقة، مشيرا إلى أن ثلثي التلاميذ تقريبا يعانون من ضعف التركيز داخل الفصول الدراسية، ما يعكس هشاشة نفسية وتربوية تنذر بتداعيات خطيرة إذا لم تتم معالجتها في مهدها، غير أنه استدرك بالإشادة بتجارب بعض المؤسسات “الرائدة” التي اعتمدت أنشطة موازية كالسينما والموسيقى والرياضة، والتي ساهمت في خلق أجواء إيجابية قلصت من العنف وأحيت روح المبادرة والاندماج داخل التلاميذ. وكان التحول الرقمي حاضرا أيضا ضمن عرض الوزير، حيث تم التطرق إلى التقدم المحرز في رقمنة التعليم الأولي، بفضل منظومة "مسار" التي أصبحت تمكن من إحصاء دقيق للأطفال المتمدرسين في القطاعين العام والخاص، وهو ما يشكل أرضية صلبة لأي سياسة تعليمية ناجعة. ويعكس مشروع الكاميرات الذكية تحولا تدريجيا نحو مدرسة مواطنة، آمنة، ودامجة، يكون فيها الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان، ويستثمر في حماية التلميذ وتأمين فضائه، بدل تركه فريسة لعنف يهدد مستقبله، وينسف كل مجهودات الإصلاح.