محمد بنوي
هو في الواقع بضعة أسئلة وليس سؤالا واحدا: هل قرار الهجوم على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023، كان قرارا أحاديا لحماس أم باتفاق مع فصال المقاومة الفلسطينية؟ هل القرار كان فلسطينيا- فلسطينيا أم أُتخذ بمشاركة ومباركة من بلدان ما يسمى بمحور المقاومة وعلى رأسها إيران؟ هل كانت عملية طوفان الأقصى إعلان حرب؟ إن كان الأمر كذلك، فهل تم الإعداد والاستعداد اللوجستيكي والبشري لهذه الحرب؟ هل كانت إسرائيل نائمة في تلك الصبيحة بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والمخابراتية أم في الأمر ما يدعو إلى الشك والريبة؟ هل أصبحت حماس تتمتع بالقدسية حتى يتم الجهوم من طرف الإسلام السياسي واليسار الراديكالي على كل محلل ينتقد خطوتها الغير محسوبة العواقب؟ هل نحن اليوم أمام إبادة جماعية للشعب الفلسطيني أم أمام حرب فلسطينية إسرائيلية؟ وتبقى لائحة الأسئلة مفتوحة.
منذ أن شاع خبر عملية طوفان الأقصى، بادر الذين تقودهم عواطفهم وليس عقولهم إلى التهليل بالعملية وإعلان الفرحة بانتصار الفلسطينيين وقضيتهم، وكأن تلك العملية قضت على العدو واستردت منه الأرض المسلوبة. وأتذكر الفرحة التي عمت البسطاء في تفكيرهم، فراحوا يباركون العملية والاحتفاء بها ويثنون على مخططيها ويعلنون النصر؛ ومنهم من ذهب بعيدا، فتحدث عن مشاركة الملائكة مع حماس قي تلك العملية. لا أدري كيف هو تفكيرهم وشعورهم اليوم، وهم يشاهدون الدمار والخراب ويرون التقتيل الجماعي في غزة حيث يُباد الشعب الفلسطيني بوحشية مُبالغ فيها. ومع ذلك، لا تستحي محطة "الخنزيرة" القطرية التي تلعب دورا خبيثا في نشر الوهم بالانتصار؛ وذلك باستضافة "محللين" يعملون على تحويل الفشل إلى نجاح والخسارة إلى انتصار.
لكن المحللين العقلانيين والمنطقيين في تفكيرهم انبروا، منذ الساعات الأولى، للتفكير في العواقب وفي خلفيات ما وقع. لقد تساءلوا عمن يقف وراء حماس ومن دفها إلى القيام بتلك الخطوة الغير محسوبة العواقب. وبعد أيام قليلة جاء الجواب. لقد قال أحد قادة حماس، ولعله أبو مرزوق: "لقد غدرت بنا إيران". فهذه الأخيرة معروف عنها أنها تبحث عن تشكيل أذرع لها في كل بلد تفلح في التسرب إليه. وهي تبحث دائما عن زرع القلاقل بواسطة الموالين لها لتستفيد من ذلك سياسيا، لكنها جبانة؛ إذ بمجرد ما ترى أن الأمر قد يكون مكلفا أو أنه قد بدأ يخرج من يدها، تتوارى إلى الخلف. لقد غررت بحماس ودفعتها إلى ارتكاب ذلك الخطأ يوم 7 أكتوبر 2023، لحسابات يعلمها الله.
وكلمة "الخطأ" لن تروق لتجار القضية الفلسطينية ومآسي الشعب الفلسطيني. وهؤلاء التجار هم مغاربة إيران وأنصار الإسلام السياسي ودعاة الانفصال من اليسار المغربي الراديكالي وعبدة الكوفية؛ وكلهم وكلاء للنظام العسكري الجزائري والنظام الملالي الإيراني المعاديان لوحدتنا الترابية واللذان يسعيان بكل الطرق لزرع البلبلة والفتنة في بلادنا. لذلك يطلق عليهم نشطاء التواصل الاجتماعي صفة أعداء الداخل. وهم بالفعل كذلك لأنه ليس لهم ولاء للوطن وإنما ولاؤهم للأجنبي. وبهذه الصفة، فهم يجتهدون في الإساءة إلى صورة المغرب من خلال تلقف كل الإشاعات المغرضة التي تروجها الجزائر وقطر بواسطة محطة الجزيرة، والأصح الخنزيرة. إن النجاحات الديبلوماسية التي حققتها بلادنا والطفرة الاقتصادية والتنموية التي تشهدها، تشكل لأعداء الداخل، وكلاء أعداء الخارج (الجزائر وإيران وغيرهما) عقدة لأنهم يريدون أن يروا بلادهم متأخرة، غارقة في المشاكل والفوضى حتى يهنأ لهم البال ويعطيهم الأمل في الوصول إلى هدفهم الخبيث، ألا وهو تقويض أركان الدولة.
وما هو مؤسف، هو أن هؤلاء القوم يستغلون تعاطف الشعب المغربي مع القضية الفلسطينية، فيدغدغون عواطفه ومشاعره بالشعارات الرنانة ويجيشونهم بالإشاعات الكاذبة من قبيل مرور بواخر محملة بالسلاح من الموانئ المغربية في اتجاه إسرائيل. وهي إشاعات تدخل في إطار الحرب الاقتصادية والإعلامية ضد المغرب وموانئه؛ وأعداء الداخل يستغلون هذه الإشاعات المغرضة لتشويه صورة المغرب وزعزعة استقراره خدمة لأجندات خارجية؛ ومنها أجندة البلد الجار الذي يرسل بواخر الغاز إلى العدو الصهيوني حتى لا تتوقف دباباته عن العمل في قطاع غزة؛ لكن أعداء الداخل، خونة الوطن، لا ينبسون بشفة في هذا الموضوع.
وهؤلاء القوم الذين يدينون بالولاء للخارج يكادون "يؤلهون" حماس التي ارتمت في أحضان النظام الملالي الإيراني المجوسي، رغم أنها قد وجهت ضربة قاضية إلى القضية الفلسطينية وأصابتها في مقتل. لقد قدمت حماس هدية إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف وإلى زعيمه المجرم بنيامين نتنياهو الذي كان مهددا بالسجن وبانتهاء مساره السياسي؛ لكن عملية طوفان الأقصى قد أنقذته من السجن وأحيته سياسيا، فوجدها فرصة ليعربد في غزة ويفرغ غله وحقده عليها وعلى أطفالها ونسائها وشيوخها وعمرانها وأشجارها وكل شيء فيها، لا فرق بين البشر والحجر ولا بين القنطرة والمئذنة أو المدرسة والمستشفى. والأدهى من هذا كله، فهو يضرب حصارا خانقا على ما تبقى من الغزاويين ليقتلهم جوعا وعطشا مع استمرار القصف بالطائرات والقتل والتدمير بالدبابات التي تشتغل بالغاز الجزائري، وحماس تسارع الزمن لعلها تصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
واعتبارا للوضع في غزة والضفة الغربة، أليس من المنطقي أن نشك بان عملية 7 أكتوبر 2023 كانت مؤامرة محبوكة ضد القضية الفلسطينية؟ ويبدو أن أطراف هذه المؤامرة هم إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؛ وبمعنى آخر، فإن الأمر يتعلق بصفقة بين هذه الأطراف الثلاثة. فإيران شجعت حماس على القيام بعملية طوفان الأقصى ووعدتها بالأسلحة والمساندة المباشرة وربما بانخراط أذرعها (في لبنان سوريا والعراق وحتى اليمن) أيضا في المعركة. وإسرائيل سهلت عملية طوفان الأقصى بجعل غلاف غزة كأنه غير محروس، خصوصا وأن 7 أكتوبر صادف عيد "بهجة التوراة"، فتوغلت كتائب عز الدين القسام في هجوم مُفاجئ لتصل إلى أبعد نقطة، فقتلت من قتلت وأسرت من أسرت وجرحت من جرحت وعادت منتشية بالعملية.
لن أقدم أرقاما عن نتائج العملية لأنها متضاربة، فلا تستطيع أن تميز بين الأرقام الحقيقية والأرقام المغلوطة. ولن أتحدث عن حرب فلسطينية إسرائيلية كما هو رائج في وسائل الإعلام؛ بل هي حرب إبادة للشعب الفلسطيني تنفذها إسرائيل بعد أن سهلت عليها حماس المهمة.
خلاصة القول، علينا أن نتساءل إن كان لا يزال هناك أمل في الحل السياسي. واعتبارا للوضع على الأرض، فهل يمكن أن نحلم بحل الدولتين؟ وهل الحلم بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 ما زال ممكنا؟ الأمل الوحيد الذي يمكن أن نتشبث به، هو تعلق الفلسطيني بالأرض والذي لن يجعل إسرائيل تنعم بالأمن والأمان.
0 تعليق