مصطفى فرغلي يكتب: لا خير في ود امرئ متلون

المواطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصطفى فرغلي يكتب: لا خير في ود امرئ متلون, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 02:51 مساءً

الصديق نعمة، لكن عند غدره فهو لعنة لا أكثر ، فغدر أقرب الناس لنا مأساة علينا مواجهتها بقوة، حتى لا نفقد الأمل بالحياة.

الصديق نعمة إذا كانت العلاقة صادقة دون مصالح ، فكثير من الناس يثقون بصديق وينصدمون بخيانته، فالخيانة هي الذنب الوحيد الذي لا يغفر ، فما أسهلها من كلمات وما أصعبها من أحاسيس ، أحاسيس تفتت الصخور والحديد، وما أصعبها من حياة عندما يخونك صديق أو قريب لك ويجعل منك أضحوكة للآخرين.

منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع عن الصداقة وقوتها، والأخوة وصدقها، والقرابة وصلابتها ، والحب وعذريته، يا لها من كلمات جميلة تذهل السامعين لكن للأسف، كله حلم صعب المنال، ما تلبث أن تستفيق منه على طعنات غادرة أو كذبة لا تلبث إلا أن تذهب أدراج الرياح.

فما أصعب الحياة عندما تكون قسوتها من أقرب الناس إليك، مولمة حد الموت عندما يكون الطعن في الظهر، قاسية عندما تكون الجراح من يد أقرب صديق أو قريب لك

في الحقيقة، أتعجب خاصة من كثرة الأصدقاء وأهل المودة في ظروف اليسر والرخاء وقلتهم في ظروف الضيق وقسوة الحياة حين يقل مالنا وتستند عليه النائبات وكثير من الأصدقاء يحتاجونك في أزماتهم وكربهم، لكن للأسف عند حاجتك إليهم، لا تجدهم. وحينها ستدرك أنهم أصحاب زمن الحاجة "المصالح".

فمن هذا المنطلق أؤيد أبيات الشافعي التي قال فيها رحمه الله:

وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ
إذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ.

وما أَكثَرَ الخلان حينَ تَعدّهُم
وَلَكِنَّهُم في النائِباتِ قَليلُ.

فقد تقسو علينا الدروب، وتضيق بنا متفرقات الحياة، يشد اليأس إزاره علينا، تعصف بنا رياح المحن بين الحين والآخر تمر أوقات تضيق فيها الأرض علينا بما رحبت، تخور قوانا، تهبط معنوياتنا إلى أدنى مستوى، حتى نتمنى لو كنا في باطن الأرض وأن الحياة لم تسجلنا أبداً في دفتر حضورها ، وما إن نستجمع قوانا الخائرة، ونلم شمل إيماننا وإرادتنا وقوتنا، حتى نحمد الله ونقول بملء أفواهنا: "شكراً".

شكراً لكل خيبة منحتنا درساً لا ننساه، شكراً لكل إنسان أراد أن يهشمنا فقوى بنا عزمنا وإصرارنا، ولقننا دروساً في البشر لا تنسى.

شكراً لكل من ظلمنا فقربنا من الله، فطرقنا أبوابه بإلحاح ويقين، فعوضنا وأعطانا خيراً ورزقاً أكثر مما سألنا.

شكراً لكل الأصدقاء الذين خذلونا، فعلمونا كيف نعرف معادن البشر، وننتقي منهم ما يصلح ليكون رفيقنا وجليسنا الصالح.

قد تعلمت في حياتي أن قيمة الأمور لا تعرف إلا عبر أضدادها، فلن نقدر نعمة الصحة وقيمتها إذا لم يصيبنا المرض ونحس به يوماً. ولولا ولوج الناس السيئين دائرة حياتنا لما التقينا بالطيبين وعرفناهم وقدرناهم حق قدرهم. شكراً لقساوة الأصدقاء لأنك صححت لنا الكثير.

فقد قيل قديماً: ما أكثرهم وفي النائبات قليل فمن منا لم تلسعه آلام المفاجأة في صديق أو إنسان قريب كنا نعده مثالاً للأخوة في هذه الحياة.

بل من منا لم يشعر بمرارة الحزن نتيجة لموقف من شخص كان مقرباً منه وكان يعده خير ناصح يستعين به على نوائب وشوائب الأوقات وتقلب الأيام والزمن؟.

دون شك أن معظمنا لديه قصة أو اثنتين أو حتى أكثر لرفقاء كان يمضي جل وقته معهم في رحلات وأمسيات كانوا يتشاركون الاهتمامات والنقاشات، وكل أمر من أمورهم كانوا يشتركون في القرار حوله ، ومضت بهم السفينة حتى توقفت في أحد موانئ التنكر والخديعة، فيطعن أحدهم الآخر في أشد أوقات الحاجة وأكثر أوقات الضعف، فيصيب قلب هذه الصداقة أو الأخوة فيدميها ويريق سنوات من الذكريات الجميلة والألفة والتحاب.

كثيرون هم الذين كانت الصدمة والمفاجأة أن مكمن الخطورة كان من جانب الصديق المقرب جداً ، معظم علاقاتنا الاجتماعية، وأقصد تحديدا رفاق الطريق، لا يمكن معرفة معدنها وقوتها إلا على أرضية الواقع ، حيث تتكسر على هذا الواقع جميع المثل البالية أو القيم المهزوزة، ولا تبقى وتصمد إلا الأخوة الحقة ومعدنها الأصيل فقط.

أما الأصدقاء الذين يدعون المثل والقيم وهم متلونون متقلبون، فإنهم مع أول اختبار أو محنة يبتعدون، وصدق الإمام الشافعي حين قال في أبياته الشعرية الشهيرة: "ولا خير في ود إمرئ متلون، إذا الريح مالت، مال حيث تميل. وما أكثر الإخوان حين تعدهم، ولكنهم في النائبات قليل".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق