نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ذكرى 9 أفريل 1938: عندما واجهت قوّة الشباب جبروت الاستعمار الغاشم, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 12:29 مساءً
نشر في المصدر يوم 08 - 04 - 2025
تحتفل تونس غدا الأربعاء بعيد "الشهداء" الموافق للذّكرى السابعة والثمانين لأحداث 9 أفريل 1938، إحدى أبرز المحطات النّضالية في تاريخ حركة التحرّر الوطني من قيد الاستعمار الفرنسي.
ومثّلت هذه الأحداث مرحلة مفصلية وفارقة بسبب التغير النوعي في مطالب التونسيين وكذلك لتميّزها "بروح جديدة، إذ كان قادتها شبّانا في أغلبهم لم تتجاوز أعمارهم في ذلك الوقت الثلاثين عاما"، حسب أستاذ التّاريخ المعاصر فيصل الشريف، الذي قال إنه كان للشباب في تاريخ تونس الحديث دور فاعل ومساهمة كبيرة في إيقاد الحسّ الوطني والتّحريض والتعبئة ضدّ الاستعمار ما أدّى إلى اندلاع أحداث 9 أفريل.
وذكر الأستاذ فيصل الشريف، في حديث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنّ "نخبة من الشباب التونسي المثقّف مزدوج اللّغة من خرّيجي المعهد الصّادقي وكذلك من خرّيجي الجامعات الفرنسيّة، جاء بفكر جديد ووعي مختلف رافض للاستعمار من أساسه، على خلاف فكر الحزب الدّستوري القديم الذّي لم يكن في تلك الظّرفية يطالب بالاستقلال".
ولاحظ أنّ تلك الفترة تميّزت بروح وطنيّة عالية حشدت الجماهير للخروج ضدّ المستعمر، مبرزا أنّ أحداث 9 أفريل سبقتها أحداث كثيرة منها إضرابات عمّالية، خاصّة في المدن الكبرى.
السياق التاريخي :
في تلك الفترة وتحديدا في 12 مارس 1938، دُعي المناضل علي البلهوان (يبلغ من العمر وقتها 29 عاما) لإلقاء محاضرة بقاعة السينما "فاريتي" بعنوان "دور الشباب في المعركة الوطنية"، غير أنّ السلطات الفرنسية منعتها فأصرّ على إلقائها بمقرّ الحزب بباب سويقة.
وقامت السلطات الاستعمارية في مارس 1938 بإيقاف العديد من قادة الحزب، وفي مقدمتهم سليمان بن سليمان (33 عاما) ويوسف الرويسي (31 عاما) والهادي نويرة (27 عاما) في منطقة وادي مليز (جندوبة) بتهمة "التحريض والتباغض".
وتبعا لهذه التطوّرات، قرّر الدّيوان السياسي للحزب تنظيم إضراب عام يوم الخميس 8 أفريل 1938. وانطلقت في اليوم نفسه مسيرتان بالعاصمة خرجت إحداهما من ساحة الحلفاوين بقيادة علي البلهوان والأخرى من رحبة "الغنم" يقودها المنجي سليم.
والتقت المسيرتان أمام الإقامة العامة حيث رفع المتظاهرون شعارات من أهمّها "برلمان تونسي" و"حكومة وطنية"، وقدّر عدد المتظاهرين يومها ب 10 آلاف شخص.
وفي هذه المظاهرة الحاشدة، ألقى الزعيم الشاب علي البلهوان يومها خطابا أمام مقرّ الإقامة العامة الفرنسية من بين ما جاء فيه : "جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا، قوة الشباب الجبّارة التي ستهدم هياكل الاستعمار الغاشم وتنتصر عليه (….) إنّ البرلمان التونسي لا ينبني إلا على جماجم العباد، ولا يقام إلا على سواعد الشباب (….).
وفي يوم 9 أفريل من سنة 1938 اعتقلت السلطات الفرنسيّة المناضل علي البلهوان ما أثار غضب المتظاهرين وخرجوا بأعداد غفيرة للتّظاهر، فتمّ إعلان حالة الحصار ووقع قمعهم واعتقال الكثيرين منهم، حيث بلغ عدد الاعتقالات حينها ما بين 2000 و3000 معتقل أحيلوا على المحاكم العسكرية. كما سقط 22 شهيدا و150 جريحا برصاص الاحتلال الفرنسي.
شباب متعلّم وواع وقادر على التّعبئة :
قال أستاذ التّاريخ المعاصر فيصل الشّريف إنّ الحزب الحرّ الدّستوري الجديد كان الوحيد القادر على التعبئة الشعبيّة واستقطاب الشباب، فقد بلغ عدد خلايا الحزب أكثر من 350 خليّة بكامل تراب البلاد بين سنتي 1936 و1937.
ولاحظ أنّ قيادات الحزب كانوا جميعا من الشبان، وكان المناضل عزّوز الرّباعي أصغر عضو في الحزب (سنة 1938 كان يبلغ من العمر 17 عاما فقط)، وتولّى فيما بعد خطّة وزير الشباب والرّياضة في أوّل حكومة وطنيّة بعد الاستقلال.
وتشير المراجع التّاريخية إلى أنّ الفترة ما بين 1929 و1956 شهدت تكوين طبقة متعلّمة ومثقّفة، إذ بيّن الباحث الفرنسي "بيير فيرميرين"، في كتابه بعنوان "تكوين النخب في المغرب وتونس : من الوطنيين إلى الإسلاميين، 1920-2000″، أنّ "المستعمرة الفرنسية (يقصد بها تونس) شهدت في أعقاب الحرب العالميّة الأولى تقّدمًا واضحاً في التعليم الحديث، حيث زادت ميزانية التعليم العام أكثر من عشرة أضعاف بين عامي 1919 و1930".
ولاحظ الباحث في كتابه أنّ توسّع التعليم الحديث لم يكن فقط دافعه المشروع الاستعماري، بل الطّلب القويّ للتونسيين على التعليم الحديث، حيث تمّ إنشاء 158 مدرسةً بين 1923 و1926 من بينها 22 مدرسة للبنات المسلمات.
وأمام عجز السلطات على تلبية جميع الطلبات، شهدت هذه الفترة تطوير عدد معين من المدارس الخاصة، بتمويل من عدد من التجار. وارتفع عدد هذه المدارس من 17 مدرسة عام 1929 إلى 42 مدرسة سنة 1939. وقامت هذه المدارس الحديثة بتعليم أكثر من عشرة آلاف طالب، وفق نظامٍ يجمع بين التعليم الدّيني والتعليم الحديث.
ولاحظ الاستاذ الشريف أنّ القيادات الشبابية للحزب، التي كانت على قدر كبير من التعليم والثقافة والوعي، حاربت الاستعمار كذلك بالعلم والتّأريخ لتلك الفترة من تاريخ تونس، حيث أصدر علي البلهوان كتاب "تونس الثّائرة" سنة 1954، وأصدر المناضل الدكتور الحبيب ثامر كتاب "هذه تونس" سنة 1948.
كما عملوا على مقاومة الاستعمار ونشر الوعي لدى مختلف فئات الشعب عن طريق الفنّ والثقافة، إذ تميّزت فترة الثلاثينات بحركة ثقافيّة نشطة تجلّت في إصدار مجلاّت وأغان ومنتديات ثقافيّة على غرار جماعة "تحت السّور".
الشباب .. القلب النابض للمجتمعات :
اعتبر الباحث في علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب، في حديث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنّ مدى نهوض وعي الشباب أو فتوره ومدى مساهمته في الحياة السياسية وفي الشأن العام تحكمه سياقات مختلفة وظرفيات معيّنة.
ولاحظ أنّ صعود قيادات شابّة خلال الثلاثينات وإنشاء الحزب الدّستوري الجديد فرضه وعي تلك النّخبة الشابة المتعلّمة، التي تلقت في تونس تعليما حديثا ودرست كذلك في فرنسا واطّلعت على أفكار المستعمر من الدّاخل و"حاربته" بأطروحاته الخاصّة عن الحرّية والعدالة وحقوق الإنسان.
ولاحظ الأستاذ بوطالب أنّ اهتمام الشباب اليوم بالحياة العامّة بمختلف أوجهها، سواء كانت سياسية أو مدنية أو اجتماعية أو ثقافيّة وغيرها والمساهمة الفاعلة فيها، تحدّده الكثير من العوامل، من بينها مدى حضور التّوعية بالأَعلام والشخصيات الوطنيّة في البرامج التربويّة وكذلك البرامج الإعلاميّة.
وتابع قوله إن هذه البرامج تساهم في تقريب الصّورة للشباب وإعطائهم نماذج مضيئة يقتدون بها، خاصّة وأنّ الهبّة ضدّ المستعمر في الثلاثينات تميّزت "بنهضة شبابيّة" تجلّت في قيادات الحزب الدّستوري الجديد، الذّي تأسّس في 2 مارس 1934 وكذلك الشباب الزّيتوني، وكانت تحمل فكرا وروحا جديدين أعطيا دفعا جديدا لمقاومة المستعمر.
وقال الباحث في علم الاجتماع نجيب بوطالب إنّ الإعلام اليوم لا يقوم بدوره كما ينبغي في هذا الجانب، واعتبر أنّ التّهميش والتّسطيح هما السائدان على حساب البرامج التّوعوية والروح "الإيجابيّة"، ملاحظا أنّ نسبة "حضور حدث 9 أفريل في القنوات الإعلاميّة ضعيفة جدّا".
كما انتقد بوطالب النّخب السياسية واعتبر أنّها تخلّت عن دورها في تأطير الشباب، مشيرا إلى أنه نادرا ما نجد اليوم حزبا قياداته الأولى من فئة الشباب الذّين لا تتجاوز أعمارهم ثلاثون عاما.
وأضاف أنّ التحجّج بالأوضاع الاقتصاديّة لتفسير تراجع مشاركة الشباب في الحياة العامة السياسية منها والجمعياتية "أمر غير مقبول"، إذ أنّ شباب فترة مقاومة الاستعمار خلال الثلاثينات من القرن الماضي وما بعدها كان كذلك يبحث عن الفرص الاقتصاديّة ويسعى إلى النّجاح في الحياة وكان في الوقت ذاته يتمتّع بوعي سياسي كبير خوّل له قيادة الحركة الوطنيّة في عدّة مناسبات.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :