اليوم الجديد

الخِطَابُ الإِثنُوغرَافِيُّ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخِطَابُ الإِثنُوغرَافِيُّ, اليوم الجمعة 23 مايو 2025 02:35 صباحاً

الخِطَابُ الإِثنُوغرَافِيُّ

نشر بوساطة فهد إبراهيم البكر في الرياض يوم 22 - 05 - 2025


حينما نقرأ الأدب في مختلف أجناسه وأنواعه وأشكاله، سوف نجد أنه يسلّط الضوء أحياناً على ظروف الحياة، وطريقة العيش، وسلوك البشر، وكيف يفكّرون، ويتعاملون، ولا ريب أن هذه الوظيفة هي جزء مهم من وظائف الأدب التي ينطلق منها، ويسمو بها، ويرتكز عليها، فما الأدب إلا تعبير جمالي يصف الناس، والحياة، والكون بشكل عام؛ ومن هنا كان الأدب مرآة للمجتمع منذ عصور سحيقة، يعالج همومهم، ويهذّب نفوسهم. ويشتبك هذا المفهوم مع ما تنصرف إليه
(إثنوغرافيا التواصل) التي تعني: تحليل التواصل في السياق الاجتماعي، والثقافي، وتحليل الخطاب من زاويته الإنسانية (الإنثروبولوجية).
من هنا يسعى الخطاب (الإثنوغرافي) -في أي ميدان كان- إلى كشف الأقوال، والأفعال، والتصرفات، والسلوكيات، والأنماط الحياتية للمجتمع، ومحاولة التعرف على الجماليات، والبينيات، وذلك من أجل توظيف هذه المفارقات فيما يخدم الأدب ووظائفه، ويمكن استعمال هذا الخطاب لتحسين التواصل مع الناس، واكتشاف الثقافات المتنوعة للبشر، وما فيها من تباين، وتشابه، وتغاير، ومن ثم تمييز تلك المجموعات بعضها عن بعض، ليس بقصد التنافس أو التسابق، ولكن بهدف التعرف، والاكتشاف؛ تحقيقاً للغايات الجمالية التي ينشد الخطاب الوصول إليها.
لقد انطلق اللسانيون المعاصرون –كديل هايمز 2009م مثلاً– من هذا التصور (الإثنوغرافي) في التواصل؛ إذ قدّم هذا الباحث اللغوي الأميركي عام (1962م) ورقة علمية بعنوان (إثنوغرافيا الكلام)، ثم طورها في ورقة أخرى عام (1964م) بعنوان (نحو إثنوغرافيا التواصل)، وربما يكون هذا اللساني الأميركي من أوائل الذين نادوا بأهمية الخطاب (الإثنوغرافي)، وأثره في استيعاب صفات التواصل غير اللفظية، وغير المسموعة، وإن كان للعرب الأوائل -كابن جني مثلاً (392ه) وغيره– جهود بارزة في الحقل (الإثنوغرافي)، وذلك من خلال التركيز على الكلام بوصفه وسيلة تواصل، وأن اللغة «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»، وهذا لبّ الخطاب (التواصلي).
إننا حين نطالع الروايات العالمية والعربية مثلاً، أو القصص، أو المذكرات، أو اليوميات، أو السير الذاتية، أو الرسائل، أو الرحلات، أو المسرح، فإننا واجدون ملامح (إثنوغرافية) كثيرة، بل إن الشعر أيضاً قد ينبئ عن هذا الملمح الذي عُرِف منذ القديم، سواء أكان ذلك عند العرب في قصائد المعلقات، وما قبلها، وما بعدها، أم عند الأمم والأقوام الأخرى، كالسومريين، والآشوريين، والكلدانيين، والإغريق، واليونان، والرومان، والفراعنة، وغيرهم، ويمكن أن نجد في الملاحم الشعرية مثالاً واضحاً على ذلك؛ حيث صورّت تلك القصائد شيئاً من الممارسات اللغوية التي تنبئ عن العادات، والأعراف، والتقاليد، والطبائع، وما شابهها.
إن الخطاب (الإثنوغرافي) خطاب ذو طابع تطبيقي، يمكنه التعايش مع أصناف متنوعة من النسيج الاجتماعي البشري في بيئات مختلفة، في المدن، أو القرى، أو الأرياف، وقد يتعدى ذلك إلى بيئات أخرى مثلاً، كالبيت، أو المدرسة، أو العائلة، أو المصنع، أو المؤسسة، أو المستشفى، أو أماكن العمل، أو نحوها، فيتسم الخطاب (الإثنوغرافي) حينئذ بتنوع المعطيات، والمعلومات، ومن ثم تلون الثقافات، والتعرف على مزيد من المقومات والجماليات؛ لذلك ذاع شعر المعلقات قديماً، وكثير من شعر العرب ونثرهم، كما تميزت الروايات العالمية –أعمال بولو كويلو مثلاً– والأعمال الروائية العربية -نجيب محفوظ مثلاً- وغيرهم؛ لأن خطاباتهم لم تكن تخلو من طابع (إثنوغرافي) يصف ثقافات الأمم، ويعالج هموم الناس، ويبحث في الأنماط الاجتماعية المختلفة، وهو ما يجعل الخطاب أكثر قيمة وجمالاً.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار متعلقة :