نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الاصطناعي والإبداع.. من أداة تقنية إلى شريك في بناء العقول, اليوم السبت 24 مايو 2025 08:30 مساءً
نشر بوساطة ملاك سلمان الجهني في الوطن يوم 24 - 05 - 2025
في عصرٍ تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، يُعدّ الذكاء الاصطناعي قوة صاعدة تُسهم في تشكيل ملامح حياتنا اليومية، ولا سيما في مجال التعليم. وبينما يتساءل البعض عن احتمالية إسناد مهام المعلم للذكاء الاصطناعي مستقبلًا، يبرز تساؤل أعمق: «هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنشئ جيلًا أكثر إبداعًا؟».
هذا السؤال يُعدّ من المسائل الجوهرية في فهم طبيعة الإنسان وقدراته الذهنية، وتوظيف التقنية الحديثة لتنميتها، والإجابة عنه ليست مقصورة على «نعم» أو «لا»، بل تتطلّب نظرة متكاملة تشمل ممارسات الذكاء الاصطناعي في تعزيز إبداع المتعلمين.
لطالما ارتبط الإبداع بالمخيلة والتجارب والفضول، على الرغم من محدودية الأدوات التعليمية التقليدية التي سعت إلى تنميته. أما اليوم، فقد غدا الذكاء الاصطناعي أداة عصرية أعادت تشكيل ملامح العملية التعليمية من حيث الكفاءة والسرعة، بل أطلقت العنان للقدرات الإبداعية لدى المتعلمين. وحين نتأمل في واقع التعليم بعد دخول الذكاء الاصطناعي إلى الساحة، نُدرك أن الإبداع لم يعد مهارة هامشية، بل بات من أهم المهارات المطلوبة لمواكبة تحديات المستقبل وصناعة الفرص. ومن أبرز ممارسات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإبداع لدى المتعلمين قدرته على تخصيص التعلم وفقًا لأسلوب كل متعلم، فهو يحلّل البيانات السلوكية والمعرفية للمتعلمين، ثم يقدم محتوى تعليميًّا مُخصصًا يتناسب مع قدراتهم. وقد أسهم هذا في تعزيز استقلالية الطالب، ومنحه مساحة لتجربة أساليب تعلم متعددة تُثري تفكيره الحر، وتفتح أمامه آفاقًا للابتكار والإبداع.
أتعتقدون أن ما ذُكر آنفًا يُجسّد كل إسهامات الذكاء الاصطناعي؟
كلا، فله من الإسهامات ما لا يُعد ولا يُحصى، ومن بينها قدرته على إنشاء بيئات محاكاة تفاعلية لحل المشكلات، تمكّن المتعلم من خوض تجارب واقعية دون الحاجة إلى موارد ضخمة. وتُكسب هذه البيئات الطلاب مهارات اتخاذ القرار والتفكير النقدي والإبداعي، مما يجعل التعلم تجربة حية ومُلهمة.
وإذا انتقلنا إلى جانب آخر، فنجد أن الذكاء الاصطناعي سجّل حضورًا لافتًا في ربط التعليم بالعالم الواقعي من خلال طرح وتحليل قضايا مثل التغير المناخي، والتلوث، أو الأزمات الصحية، وتمكين الطلاب من تقديم حلول مقترحة مبنية على بيانات دقيقة. هذا الربط يحوّل الطالب إلى «صانع حلّ» لا مجرّد متلقٍ. ولا يمكن في هذا السياق إغفال دور الذكاء الاصطناعي في تحفيز المشاريع الابتكارية، حيث يوفّر أدوات تدعم الطالب منذ توليد الفكرة، مرورًا بتخطيطها، وصولًا إلى تقييم نتائجها. وتُعدّ هذه العملية بمثابة منصة لتربية روح الريادة، وربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي في تجربة تعليمية متكاملة. غير أن علينا أن نُدرك، على الرغم من كل هذه الإسهامات، أن الذكاء الاصطناعي لا يصنع الإبداع من العدم، فالإنسان يولد وفيه بذرة الإبداع، لكنها تحتاج إلى بيئة محفّزة، وتدريب مستمر، وتشجيع حقيقي؛ حتى تُؤتي ثمارها.
وفي ضوء ما تقدّم، يتبيّن لنا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية لتحسين جودة التعليم، بل أصبح شريكًا أساسيًّا في تشكيل العقول وتنمية الإبداع وصقل المهارات. ومع كل تطوّر جديد، تتّسع رقعة تأثيره، وتتضاعف مسؤوليتنا كتربويين في توجيهه الوجهة المثلى. فالسؤال الذي يستحق الوقوف عنده ليس: «هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستبدل دور المعلم؟»، بل: «كيف نُوظّف هذا الذكاء لنُخرج أجمل ما في الإنسان من فكر وابتكار؟».
إنها دعوة للتأمل في مستقبل تُبنى فيه المدارس والعقول جنبًا إلى جنب لا على التلقين، بل على الإبداع والتساؤل والتجريب والبحث والتقصي، فالمستقبل لا يُمنح للأذكى فقط، بل لمن يجرؤ على الإبداع فيه.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق