نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جمعة الورق.. جيل الثمانينات والحنين للصحف, اليوم الجمعة 23 مايو 2025 02:35 صباحاً
نشر بوساطة عبد العزيز بن سليمان الحسين في الرياض يوم 22 - 05 - 2025
في ذاكرة جيل الثمانينات، يطلّ يوم الجمعة كمشهد حيّ من زمن الألفة والبساطة، حيث كان للصباح طقوسه، وللأوراق رائحتها التي تختلط بعبق الخبز الساخن وأكواب اللبن الطازج. لم تكن متطلبات اليوم كثيرة، لكن محتواه كان ثريًّا بما يتجاوز حاجيات البيت، فثمة حاجة أعمق، حاجة للقراءة.
في زمن ما قبل القنوات الفضائية وتطبيقات الهواتف، كانت الصحف الورقية زاد العقل ومتعة الروح، وكان يوم الجمعة موعدًا أسبوعيًا مقدسًا معها. تصطف الإصدارات على الرفوف: من "الرياض" و"الجزيرة" إلى "عكاظ" و"المدينة"، تحمل في طيّاتها ما يغني كل فئة من فئات المجتمع. الكهول، الشباب، المثقفون، وحتى ربات البيوت، لكل منهم وجهته في عالم الورق.
الملاحق الرياضية كانت مقصد الشغوفين بالرياضة، يتتبعون فيها نتائج المباريات، تحليلات ما بعد المواجهات، وتعليقات تعكس نبض المدرج السعودي. لم تكن مجرد أخبار، بل كانت رواية تُكتب كل أسبوع، وأسلوبًا يتربّى عليه جيلٌ كامل من القراء والمتابعين.
وعلى الجانب الآخر، كان للملاحق الثقافية طعم آخر. مقالات تحمل بصمات راسخة، تتنقّل بين الفكر والأدب، وتلامس وجدان القارئ السعودي بنبرة تأملية، أو نقد اجتماعي رصين. كانت تلك الصفحات نوافذ على العالم، وعلى الذات، وعلى أسئلة المرحلة.
الصفحات السياسية بدورها، جذبت من يبحث عن قراءة مغايرة للأحداث، في زمنٍ كان فيه "الرأي" يُقرأ قبل الخبر، ويُناقش في المجالس والمنتديات. أما رسومات الكاريكاتير، فكانت توازن الجدّ بالسخرية، وتطرح أعقد القضايا بأبسط الخطوط، وبمقدار ضحكة لا تخلو من الدهشة.
في محيط المسجد بعد الصلاة، يفرش الباعة الأرض بما لذّ وطاب: تين، حبحب، رطب... لكنها كانت جزءًا من المشهد، لا بضاعة فحسب، بل مكوّن من مكوّنات الطقس الشعبي ليوم الجمعة. مشهد يمزج بين الطقوس الدينية والاجتماعية والثقافية، في نسيج يومي لا تنفصم عراه.
صوت تقليب الصفحات، رائحة الحبر، دفء النقاش حول مقال، وضحكة تنطلق بسبب كاريكاتير... كانت تلك مؤشرات على مجتمع حيّ، يقرأ ليعيش، ويعيش ليحكي.
واليوم، وبين ركام الرقمنة، يلتفت ذلك الجيل إلى الخلف، لا بحسرة، بل بشيء من الشجن. حنين إلى زمن كانت فيه الكلمة تنتظر، وكان الورق يُقرأ مرتين: مرة بالعين، ومرة بالقلب.
إنها جمعة الورق... الجمعة التي لا تغيب من الذاكرة.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق