خريف العمر موسم الحصاد الذهبي للروح

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خريف العمر موسم الحصاد الذهبي للروح, اليوم الخميس 22 مايو 2025 06:34 مساءً

خريف العمر موسم الحصاد الذهبي للروح

نشر بوساطة إبراهيم عقلاء المشيطي في الوطن يوم 22 - 05 - 2025

1165598
يقف الإنسان في خريف عمره كما يقف الفلاح أمام حقله الذهبي، ينظر بعين الرضا إلى ثمار سنوات طويلة من الزرع والرعاية والصبر. فإذا كان الربيع زمن الأحلام، والصيف موسم العمل والكفاح، فإن الخريف هو وقت جني الثمار الحقيقية، ثمار الحكمة والسكينة والفهم العميق للحياة.
لطالما نظر الحكماء والأدباء إلى الشيخوخة بعين الإجلال والتقدير بعكس ما ينظر إليها الآخرون، حيث يقول الفيلسوف الروماني شيشرون: «الشيخوخة تحرر الروح من خدمة الشهوات». هذا التحرر ليس مجرد انقطاع عن ملذات الدنيا وشهواتها، بل هو انطلاق نحو آفاق أرحب من الفهم والاستمتاع بجمال الوجود الحقيقي.
ويقول الشاعر العربي أبو العتاهية:
«وَمَا الشَّيْبُ عَيْبٌ في الرِّجَالِ إِذَا هُمُ .. صَحِبْنَ التُّقَى وَاجْتَنَبْنَ الْمَحَارِمَا».
فالشيب في نظره ليس علامة ضعف، بل تاج وقار يحمل معه نضج التجربة ونقاء الروح.
أعظم ما يميز خريف العمر هو الحكمة المتراكمة عبر السنين، فالمسن لا يملك فقط معرفة نظرية، بل خبرة حياتية عميقة تجعله قادرا على رؤية الأمور من زوايا متعددة. كما يقول الكاتب الفرنسي فولتير: «الحكمة هي ابنة التجربة».
هذه الحكمة تتجلى في قدرة المسن على التمييز بين ما هو جوهري وما هو عرضي في الحياة. فبعد أن يكون قد خاض معارك كثيرة، يدرك أن السعادة الحقيقية لا تكمن في تحقيق كل الأهداف المادية، بل في الرضا الداخلي والعلاقات الإنسانية الصادقة.
يحمل خريف العمر معه نوعا خاصا من السكينة لا يمكن أن يحصل عليها الشباب. إنها سكينة من جرب الحياة، وعرف مراراتها وحلاوتها، فلم تعد الصدمات تهزه كما كانت من قبل. كما يعبر الشاعر الألماني جوته: «الشيخوخة هي تدريجيا التخلي عن الخطأ».
جوته هنا لا ينظر إلى الشيخوخة كعُمر بيولوجي فقط، بل كمرحلة نضج فكري وروحي، وهذا يتفق مع فكرة أن الشباب يبحث عن الحماس والتجديد، والشيخوخة تبحث عن الحكمة والوضوح.
ومن هنا، فإن التقدم في العمر قد يكون بمثابة فرصة للتصحيح الذاتي المستمر، فكلما ازداد الإنسان خبرةً زاد إدراكه لأخطائه السابقة، وبالتالي أصبح أكثر قربًا من الحقيقة.
في خريف العمر، يصبح الإنسان أكثر وعيا بأهمية ما سيتركه خلفه. ليس فقط الإرث المادي، بل الإرث الروحي والأخلاقي. ويقول الفيلسوف الروماني سينيكا: «عاش طويلا من عاش بخير»، فطول العمر الحقيقي لا يُقاس بعدد السنوات، بل بجودة التأثير الذي تركه الإنسان من خير ونفع في العالم.
خريف العمر ليس نهاية القصة، بل فصل جديد مليء بالجمال والعمق. إنه وقت للتأمل والامتنان، وقت لنقل الخبرات للأجيال القادمة، وقت للاستمتاع بثمار كفاح العمر. كما يقول المثل العربي: «برِّ الكبير تراثه»، فالاحترام والتقدير للمسنين هما في الحقيقة تقدير لتراث الإنسانية نفسها.
خريف العمر موسم حصاد ذهبي حقا، موسم جني الحكمة والسكينة والرضا. إنه دعوة لنا جميعا لننظر إلى الشيخوخة لا كعبء أو خسارة، بل كتتويج طبيعي وجميل لرحلة الحياة الطويلة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق