نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإرهاب الإلكتروني, اليوم الخميس 22 مايو 2025 02:37 صباحاً
نشر بوساطة محمد الحمزة في الرياض يوم 22 - 05 - 2025
الشاشات الصغيرة باتت بوابة العالم، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل الإنساني إلى ساحات لحروب أيديولوجية خفيّة. فبين تغريدة هنا، وتعليق محرّض هناك، تنسج خيوط التطرف والإرهاب في صمت، مستهدفة عقول الشباب الذين يشكلون الفئة الأكثر نشاطاً على هذه المنصات. فكيف تسللت الأفكار المتطرفة إلى عقولهم؟ ولماذا بات العالم الافتراضي حاضنة للكراهية؟
في الماضي، كان انتشار الأفكار يقتصر على الكتب أو اللقاءات المباشرة، لكن اليوم، تغيّر الخوارزميات طريقة تفكيرنا. فكل "إعجاب" أو "مشاركة" يعيد تشكيل المحتوى الذي يظهر لنا، مما يخلق فقاعات رقمية تعزز انحيازاتنا. هنا، تنشط حسابات وهمية تدار من قبل شخصيات مجهولة، تغرق الصفحات بتعليقات تكفّر المعارضين، أو تهدد القائمين على مشاريع فنية أو اجتماعية تعتبر "تابعة للغرب" أو "منافية للشريعة". حتى أصبحت التعليقات العنيفة ظاهرة يومية، تمارس الإرهاب الفكري وتصعّد من خطاب الكراهية.
ولا تتوقف الاستراتيجية عند هذا الحد.. ففي تطبيقات مثل "تليجرام" أو "سيجنال"، تنشأ مجموعات سرية تدار بذكاء لتجنيد الشباب. وتبدأ بمناقشة قضايا اجتماعية بسيطة، ثم تتطور إلى تحليلات مؤامراتية، لتصل أخيرا إلى تبرير العنف ك"حل وحيد" لإنقاذ الأمة. وتستخدم لغة عاطفية تلامس هموم الشباب، مثل التركيز على الظلم أو الفساد، مما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من "مهمة مقدسة".
الشباب في مقتبل العمر هم الأكثر عرضة لهذا الاستغلال، ليس بسبب جهلهم، بل بسبب تناقضات مرحلتهم العمرية. فهم يبحثون عن هوية تشعرهم بالانتماء، خاصة في ظل تغيّر الأدوار الاجتماعية السريع. هنا، تقدّم الجماعات المتطرفة إجابات سهلة مثل: "الإسلام في خطر"، "الجهاد فريضة". وتدعم هذه الرسائل بصور لضحايا الحروب أو الظلم، لاستثارة الغضب وتحويله إلى وقود للتطرف.
ولا تغفل هذه الجماعات الجانب العاطفي. ففي دراسة أجرتها جامعة "جورج واشنطن" تبيّن أن 70 % من المتطرفين جنّدوا عبر علاقات افتراضية بدأت بالتعاطف مع قضاياهم، ثم تحوّلت إلى ولاء أعمى. كما أن غياب الحوار الأسري أو الديني المعتدل يجعل الشباب فريسة سهلة لأصحاب الأجندات الخفية.
التأثير لا يتوقف عند المستوى الفكري؛ فعلى سبيل المثال، هاجمت حملات إلكترونية حفلات موسيقية بدعوى "محاربة الفن"، وتعرّض نشطاء مجتمعيون لتهديدات. هذه الضغوط لا ترهب الضحايا فحسب، بل ترسخ فكرة أن "الاختلاف جريمة"، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويعزز الانقسامات.
أما على المستوى الفردي، فيصاب المتطرف بانفصام بين هويته الحقيقية والافتراضية. ففي دراسة ل"مركز الأهرام للدراسات السياسية"، اعترف شباب متطرفون سابقون أنهم كانوا يعيشون "حياة مزدوجة": يبدون طبيعيين أمام أسرهم، بينما يخططون لهجمات عبر هواتفهم. هذا الانفصام يضعف قدرتهم على التمييز بين الخيال والواقع، حتى يصبح العنف خياراً مقبولاً.
الحل يبدأ بالاعتراف أن التطرف ليس "مشكلة أمنية" فحسب، بل ظاهرة ثقافية تحتاج إلى مقاربة شاملة. أولاً يجب تجديد الخطاب الديني عبر تدريب الأئمة على مواجهة التحريفات الفقهية، وتشجيع النقاشات العقلانية. وعلى الحكومات التعاون مع منصات التواصل لتطوير خوارزميات تقلل من انتشار المحتوى المتطرف، مع حماية خصوصية المستخدمين. ولا بد من تعزيز البرامج التربوية التي تعرّف الطلاب بمهارات التفكير النقدي، وتحميهم من التلاعب العاطفي. ويجب إحياء الحوار المجتمعي عبر فعاليات تظهر أن "الاختلاف ثراء"، مثل مهرجانات تجمع بين الفنون والتراث الديني المعتدل.
تعد الأسرة الحصن الأول في حماية الشباب من الانزلاق نحو التطرف. حيث توفّر الأسرة حواراً مفتوحاً يناقش قضايا الدين والهوية بعقلانية، وتعزز قيم التسامح عبر المثال العملي، تصبح الفكرة المتطرفة أقل جاذبية. كما أن مراقبة سلوك الأبناء على منصات التواصل، دون تدخل قمعي، تساعد في اكتشاف الانحرافات المبكرة. لكن الأهم من الرقابة هو بناء الثقة، أن يشعر الابن أو البنت أن الأسرة ملجأ آمن لطرح الأسئلة المحرجة، بعيداً عن وصمة "التكفير" أو التنمر.
أما الإعلام فيمكن أن يكون أداة فاعلة عبر إبراز قصص الناجين من التطرف، ودعم مبادرات الحوار، وتعزيز المحتوى الذي يربط بين القيم الإسلامية والتعايش السلمي. كما أن إنتاج برامج تعرّف الشباب بكيفية تحليل المحتوى الرقمي نقدا يقلل من تأثير الدعايات المغلوطة عبر التنشئة الواعية، وعبر الخطاب المسؤول. فكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: "التغيير الحقيقي يبدأ عندما تتلاقى جهود الفرد مع جهود المجتمع"، وهذا ما يلخص ضرورة التعاون بين كل الفاعلين لبناء مناعة مجتمعية ضد التطرف.
تذكرنا مقولة عالم الاجتماع الأميركي سكوت أتران أن: "التطرف ليس فكرة تقاتلها بالأسلحة، بل حالة عقل تعالج بالبديل الأفضل".. فالشباب الذين يجنّدون اليوم هم ضحايا فراغ فكري وعاطفي، يحتاجون إلى من يعيد لهم الأمل، لا إلى من يصادر أحلامهم.. إن مواجهة التطرف ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي معركة كل فرد يؤمن أن الإنسانية أقوى من كل خطاب يحاول تمزيقها.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق