نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: وداعاً يوسف عبدالصمد, اليوم الخميس 15 مايو 2025 03:38 صباحاًوداعاً يوسف عبدالصمد نشر بوساطة عبد الرحمن الجديع في الرياض يوم 15 - 05 - 2025 يرحل جسد الشاعر، لكنّ روحه تبقى زاخرة بالضوء، ويظل صوته فيّاضاً يتلو الأناشيد، ويعزف على لحن الخلود. هكذا يتراءى لي الشاعر الكبير يوسف عبدالصمد وهو يودع الدنيا ميمماً نحو عالم البقاء والأبدية. أما عطاءات الشاعر وإبداعاته وحراكه، فتظل تتحدث عنه، بصفته أحد أعلام الأدب العربي في المهجر، وأحد السُبّاك المَهرَة للقصيدة بأشكالها المتعددة.رحل يوسف عبدالصمد أواخر أبريل الماضي، في مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة، ففقدت العربية شاعراً، وقيمة فكرية كبيرة.تلقيت نبأ رحيله المؤلم بحزن شديد، ما أحالني إلى تلك الأيام الخوالي التي كانت لنا مع روحه المرحة أطيب اللحظات التي لا تمحى، فكان يؤانسنا بقصائده، بخاصة تلك التي يهجو بها مجلس الأمن الدولي. كما ظل يتحفنا بمعارضاته الشعرية ومناكفاته الأدبية التي يعبق منها العطر والمسرّة.مسيرة الشاعر يوسف عبدالصمد ذات بصمات إبداعية مضمّخة بشجن إنساني، حيث يستوقفك في هذه الرحلة مدى تعلقه بضيعته اللبنانية "راس المتن" في قضاء بعبدا بمحافظة جبل لبنان. كان ضيعة تتعلق بأهداب القمر، وكانت زوجته "نورة" صاحبةُ الاخلاق الرفيعة الشعلة المتوهجة في مجمل قصائده، باعتبارها الملهمة الدائمة.امتلك الشاعر الراحل موهبة فريدة سواء في القصيدة الفصحى، أو في العامية اللبنانية (الزجل) فتجلت في كليهما بصمة واضحة في اللفظة الإبداعية والصورة الجمالية والمِسحة الإنسانية.لم يكن الشاعر يوسف عبدالصمد إلا واحداً من أولئك الشعراء الذين صقلت موهبتهم الثقافة اللبنانية في حقبة السبعينات؛ تلك المتدفقة بالعطاء الأدبي، ولا سيما الشعر، وشكلت منارة لكل العرب. وكان للراحل صداقات واسعة مع الكثير من شعراء لبنان ذلك الحين، كسعيد عقل، ونزار قباني، وأدونيس وطارق آل نصر الدين، وياسر بدر الدين، وجورج شكور، وغيرهم من القامات الأدبية التي تزخر بها الساحة اللبنانية.اشتملت روح الشاعر يوسف عبدالصمد على الكثير من المزايا والمقومات؛ فظل شاعراً تنصاع له القوافي فيُنزِلُها منازلَها، وصاحب مشاريع خلاقة يتدفق منها العطاء، فضلاً عمق الشخصية وتطلعها إلى الإنجاز والترقي. وظلت مشاريعه الثقافية تتحدث عنه؛ إذ كان له حضور لافت في إيجاد مؤسسة تعنى بالثقافة؛ حيث كان المشهد الثقافي العربي في مدينة نيويورك يفتقر لأية مؤسسة ثقافية أو اجتماعية، وكان الحضور العربي ضحلاً، وهو ما لم يقبله، فعقد العزم على تغييره، فأنشأ مؤسسة "أقلام مهاجرة" للثقافة، إلا أنّ هذه الفكرة لم تخرج إلى حيز الوجود، بيْد أنّ هذا لم يفتّ في عضده، فاغتنم لقاء بعض الأدباء والشعراء في مناسبة عشاء في منزلي، على شرف السفير فؤاد الترك، حيث تم التطرق لاهتمامات الشاعر يوسف عبدالصمد الثقافية، ورغبته في تبادل الأفكار حول أهمية تفعيل الجهود والحركة الثقافية في نيويورك. وفي ذلك اللقاء ولدت فكرة الرابطة القلمية الجديدة، بناءً على اقتراح من السفير فؤاد الترك، تأسيّاً بالرابطة الجُبرانية التي أنشئت في الفترة بين 1920- 1931 من القرن المنصرم. وقد اتفق أن يكون يوسف عبدالصمد عميداً لها، والدكتور جورج يونان نائباً للعميد.الفضل الأول في قيام الرابطة وحيويتها يعود للجهود التي لا تفتر للشاعر يوسف عبدالصمد، إذ أصبحت الرابطة الجديدة، بفضل هذه الجهود، أحد المشاعل المضيئة لتعزيز الثقافة العربية في نيويورك، فقد كرس لراحل جل وقته، وعمل من دون كلل أو ملل، لإبراز أنشطة الرابطة الفتية، مما أهّلها للمضي والاستمرار، كما أصدر مجلة إلكترونية باسم "أقلام مهاجرة"، لكي تكون صوتاً للرابطة وأنشطتها، وكان له دور كبير في استنهاض الهمم للمشاركة في فعاليات الرابطة. وللحق، كان اهتمامه بالرابطة جدياً حد الاشتعال.لروح عبدالصمد الرحمة، ولأسرته أعظم العزاء، لكنّ ما يواسي النفس في هذا الحدث الجلل أنّ الشاعر ترك إرثاً من الإبداع والإنجاز والذكريات تؤهله أن يظل باقياً مشعاً في القلوب والأذهان، كيف لا وقد حباه الله بقدرة فائقة على سبك المعاني، واستظهار أجمل الصور وأعذب القوافي.لا يرحل مَن كان صاحب شعر صافٍ، وقدرة خلاقة على التصرف بعناصر الجمال ومفردات الوجود، لترقد روحك بسلام، أيها الصديق الشاعر.*كاتب وسفير سعودي سابق انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.