حين يغيب ظل «الحماية»

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين يغيب ظل «الحماية», اليوم الجمعة 2 مايو 2025 07:17 صباحاً

حين يغيب ظل «الحماية»

نشر بوساطة محمد الحيدر في الرياض يوم 02 - 05 - 2025

alriyadh
في منعطفات العمر المتقدمة، حيث تستكين الأجساد بعد عناء مسيرة مهنية حافلة، وتتوق النفوس إلى سكون وهدوء ما بعد العطاء، يجد جيل من المتقاعدين أنفسهم في مواجهة قاسية وغير متوقعة، مع فقدان مظلة "التأمين الصحي" التي رافقتهم طوال سنوات العمل والإنتاج، إنها لمفارقة مؤلمة، وابتلاء قد يحلّ بمن أفنوا أعمارهم في خدمة مجتمعاتهم واقتصاداتهم، فنتساءل: "أيُجازى هذا العطاء الطويل بتركهم في مهب الريح الصحية، بلا سند أو عون في مرحلة عمرية دقيقة وحساسة؟".
من زاوية شركات التأمين الطبي، قد يُنظر إلى هذه الشريحة العمرية على أنها "عبء" حسابي كبير، حيث ترتفع احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة وتزداد الحاجة إلى تدخلات طبية مكلفة، لكن وراء هذه النظرة الباردة للأرقام، تكمن حكايات إنسانية عميقة، وسنوات من الجهد والتفاني التي بذلها هؤلاء الأفراد في سبيل بناء أوطانهم وازدهار مجتمعاتهم.
إنها لَصورة قاتمة أن يجد الإنسان، بعد رحلة حياة قاربت على الاكتمال، نفسه مجردًا من أبسط حقوقه في "الحماية الصحية"، تلك الحماية التي يفترض أنها حق مكتسب بعد سنوات من المساهمة والعطاء، فيصبح السؤال ملحًا: "أين ذهبت سنوات الاقتطاع من الرواتب والأجور؟ وأين تبخرت الوعود الضمنية بالرعاية في شيخوخة العمر؟".
الدراسات تشير إلى أن ارتفاع متوسط العمر المتوقع، الذي وصل في المملكة إلى 78.8 سنة، ما يمثل تحديًا حقيقيًا للمنظومة الصحية، خاصة فيما يتعلق بتكاليف علاج الأمراض المزمنة والمتعلقة بكبار السن، لكن هذا التحدي لا يجب أن يُترجم إلى حرمان شريحة عزيزة من المجتمع من حقها في الرعاية، بل يجب أن يكون دافعًا لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة تضمن توفير مظلة حماية صحية شاملة ومنصفة للجميع، بمن فيهم أولئك الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة مجتمعاتهم.
إن الحاجة تتجاوز مجرد التأمين الصحي، لأن المتقاعدين في مجتمعاتنا العربية يستحقون مظلة حماية أشمل، تحتضن جوانبهم الصحية والاجتماعية والثقافية، إنهم بحاجة إلى الشعور بالانتماء والتقدير في مرحلة جديدة من حياتهم، لا إلى العزلة والنسيان.
في تقديري.. توفير بيئة داعمة تحتفي بخبراتهم وتجاربهم، وتمنحهم فرصًا للتفاعل الاجتماعي والثقافي، جزء لا يتجزأ من رد الجميل لهم، وإبعاد شبح أمراض الشيخوخة والعزلة عن حياتهم.
هنا يبرز سؤال آخر بالغ الأهمية، ألا يمكن لمجتمعاتنا العربية أن تستفيد من تلك الكنوز الثمينة من الخبرات والتجارب التي يمتلكها المتقاعدون؟ إنهم يمثلون ذاكرة حية للأجيال القادمة، ومصدرًا لا ينضب من الحكمة والمعرفة، فبدلًا من تهميشهم ووضعهم على هامش الحياة، يجب أن نسعى جاهدين لدمجهم في نسيج مجتمعاتنا، والاستفادة من رؤاهم الثاقبة في مختلف المجالات.
إن صياغة حلول عملية لهذا التحدي الإنساني تتطلب تضافر جهود الحكومات، وشركات التأمين، والمجتمع المدني، فيجب البحث عن نماذج "تأمين صحي" تراعي حقوق المتقاعدين وقدراتهم، واستكشاف آليات لتمويل هذه المظلة، من خلال مساهمات مشتركة أو صناديق وقفية، كما يجب إطلاق مبادرات اجتماعية وثقافية تهدف إلى دمج المتقاعدين في الحياة العامة والاستفادة من خبراتهم الغنية.
إنها دعوة إلى صحوة ضمير مجتمعي، وإلى إعادة تقييم نظرتنا إلى من أفنوا أعمارهم في خدمتنا.
أخيرا؛ توفير الحماية الصحية الشاملة والتقدير الاجتماعي والثقافي للمتقاعدين ليس مجرد واجب إنساني، بل هو استثمار في قيمنا الأصيلة وتعبير عن وفائنا لمن يستحقون منا كل الاحترام والرعاية في خريف العمر.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق